فصل: الباب الأول في دية النفس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 كتاب الديات

فيه ستة أبواب‏:‏

 الباب الأول في دية النفس

فيجب بقتل الحر المسلم مائة من الإبل فإن كان القتل خطأ وجبت مخمسة‏:‏ عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وأبدل ابن المنذر بني اللبون ببني مخاض‏.‏

ثم قد يعرض ما تغلظ به الدية وما تنقص به أما المغلظات فأربعة أسباب‏.‏

أحدها‏:‏ أن يقع القتل في حرم مكة فتغلظ به دية الخطأ سواء كان القاتل والمقتول في الحرم أو كان فيه أحدهما كجزاء الصيد ولا تغلظ بحرم المدينة ولا بالقتل في الإحرام على الأصح فيهما‏.‏

الثاني‏:‏ أن يقتل في الأشهر الحرم وهي‏:‏ ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ولا يلحق بها رمضان قطعاً‏.‏

الثالث‏:‏ أن يقتل قريباً له محرماً فإن كان قريباً غير محرم فلا تغليظ على الصحيح وبه قال الأكثرون ولا أثر لمحرمية الرضاع والمصاهرة قطعاً‏.‏

الرابع‏:‏ أن يكون القتل عمداً أو شبه عمد‏.‏

فرع إذا قتل في دار الحرب مسلماً وجده على زي الكفار فظنه كافراً فقد سبق أن الأظهر أنه لا دية فيه فإن أوجبناها فهل هي دية عمد أم شبه عمد أم خطأ فيه أوجه ولو رمى إلى مرتد أو حربي فأسلم ثم أصابه السهم ومات فقد سبق أن الأصح وجوب الدية وفي كيفيتها هذه الأوجه وهذا أولى بأن تكون دية خطأ وهو الأرجح ورجح ابن كج كون الدية في ماله ولو رمى إلى شيء يظنه شجرة أو صيداً فكان إنساناً فالصحيح أنه خطأ محض كما لو رمى إلى صيد فعرض في الطريق رجل أو مرق منه السهم فأصاب رجلاً قال الغزالي‏:‏ وتجري هذه الأوجه في كل قتل عمد محض صدر عن ظن في حال القتيل‏.‏

فصل الدية تتغلظ في قتل العمد من ثلاثة أوجه فتجب على الجاني ولا تحملها العاقلة وتجب حالة ومثلثة ثلثهن حقة وثلثهن جذعة وأربعون خلفة والخلفة‏:‏ الحامل ويسمى هذا الثالث تغليظاً بالسن وسواء كان العمد موجباً للقصاص فعفي على الدية أو لم يوجبه كقتل الوالد ولده وتتخفف دية الخطأ من ثلاثة أوجه فتجب على العاقلة مخمسة مؤجلة في ثلاث سنين ودية شبه العمد تتخفف من وجهين فتجب على العاقلة مؤجلة وتتغلظ من وجه فتجب مثلثة وحكي وجه وقول مخرج أن شبه العمد لا تحمله العاقلة وليس بشيء وقتل الخطأ في الحرم أو الأشهر الحرم أو المصادف لذي الرحم المحرم ديته كدية شبه العمد فتجب على العاقلة مؤجلة مثلثة والدية المخمسة إنما تتفاوت أقسامها بالسن إلا في بنات اللبون وبني اللبون فإن تفاوتهما في الذكورة ثم التخميس حاصل في هذه الدية بأقسام متعادلة والتثليث في الدية المثلثة غير حاصل على التعديل بل نسبتها المخففة بالأعشار ثلاثة أعشار حقاق وثلاثة أعشار جذاع وأربعة أعشار خلفات ثم هذه النسبة في المخففة والمغلظة تعتبر في دية المرأة والأطراف والجروح ودية اليهودي والنصراني والمجوسي وأطرافهم وجروحهم فتجب في قتل المرأة خطأ عشر بنات مخاض وعشر بنات لبون وهكذا إلى آخر الأقسام وفي قتلها عمداً وشبه عمد خمس عشرة حقة وخمس عشرة جذعة وعشرون خلفة وكذا حكم دية اليد وفي الموضحة إذا كانت خطأ بنت مخاض وبنت لبون وابن لبون وحقة وجذعة إذا كانت عمداً أو شبه عمد حقة ونصف وجذعة ونصف وخلفتان وفي قطع الأصبع خطأ بنتا مخاض وبنتا لبون وابنا لبون وحقتان وجذعتان وإذا كانت عمداً أو شبه عمد ثلاث حقاق وثلاث جذاع وأربع خلفات وعلى هذا القياس‏.‏

فرع بدل العبد الدراهم والدنانير فلا مدخل للتغليط فيه كسائر الأموال‏.‏

فصل وأما المنقصات فأربعة‏:‏ أحدها‏:‏ الأنوثة فدية المرأة نصف دية الرجل ودية الخنثى كذلك لأنه اليقين ودية أطرافها أو جروحها نصف ذلك من الرجل وفي القديم قول إنها تساوي الرجل في الأطراف إلى ثلث الدية فإذا زاد الواجب على الثلث صارت على النصف فعلى هذا في أصبعها عشر من الإبل وفي أصبعين عشرون وفي ثلاث ثلاثون وفي أربع عشرون وهو نصف ما في أصابع الرجل الأربع والمشهور الأول وهو نصه في الجديد‏.‏

الثاني‏:‏ الاجتنان ففي الجنين غرة وسيأتي إيضاحه في بابه إن شاء الله تعالى‏.‏

الثالث‏:‏ الرق ففي قتل العبد قيمته سواء زادت على الدية أم نقصت سواء قتله عمداً أم خطأ وأما جروح العبد وأطرافه فسيأتي بيانها في بابها إن شاء الله تعالى‏.‏

الرابع‏:‏ الكفر والكفار أصناف أحدها‏:‏ اليهودي والنصراني فديته ثلث دية المسلم وأما السامرة من اليهود والصابئون من النصارى فإن كانوا ملاحدة في دينهم كفرة عندهم فحكمهم حكم من لا كتاب له من الكفار وإن كانوا لا يكفرونهم فهم كسائر فرقهم وقد سبق في مناكحتهم طريق ضعيف بإطلاق قولين ولا بد من مجيئه هنا الثاني‏:‏ المجوسي وديته ثلثا عشر دية المسلم ودية المجوسية نصف دية المجوسي وقيل‏:‏ كديته وطرد هذا الوجه في سائر الكفار الذين تجب فيهم دية مجوسي والصحيح الأول ويراعى في ديات هؤلاء التغليظ والتخفيف فإن قتل يهودي عمداً أو شبه عمد وجب فيه عشر حقاق وعشر جذاع وثلاث عشرة خلفة وثلث وإذا لم يوجد مغلظ وجب ست بنات مخاض وثلثا السابعة وكذا من بنات اللبون وسائر الأخماس وفي المجوسي عند التغليظ حقتان وجذعتان وخلفتان وثلثا خلفة وعند التخفيف بنت مخاض وثلث وبنت لبون وثلث وكذا من الباقي ولا يخفى أن الدية إنما تجب في الصنفين إذا كان لهم عصمة بذمة أو عهد أو أمان‏.‏

الصنف الثالث‏:‏ كافر لا كتاب له ولا شبهة كتاب كعابد الوثن والشمس والقمر والزنديق والمرتد فهؤلاء لا يتصور لهم عقد ذمة لكن قد يكون لهم أمان بأن دخل بعضهم رسولاً فقتل ففيه دية مجوسي إلا المرتد فلا شيء فيه فإنه مقتول بكل حال وليس من أهل الأمان قال الإمام‏:‏ ولو تحزبت طائفة من المرتدين ومست الحاجة إلى سماع رسالتهم فجاء رسولهم فقد قيل‏:‏ لا يتعرض لهم لكن لو قتل فلا ضمان وتردد الشيخ أبو محمد في إلحاق الزنديق بالمرتد والصحيح إلحاقه بالوثني وأما من لاعهد له ولا أمان من الكفار فلا ضمان في قتله على أي دين كان‏.‏

قلت‏:‏ قد سبق خلاف في الذمي والمرتد إذا قتلا مرتداً هل تجب الدية فإن أوجبناها فهي دية مجوسي ذكره البغوي‏.‏

والله أعلم‏.‏

وجميع ما ذكرناه في كافر بلغته دعوتنا وخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أما من لم تبلغه دعوتنا فلا يجوز قتله قبل الإعلام والدعاء إلى الإسلام فلو قتل كان مضموناً قطعاً وكيف يضمن‏.‏

أما الكفارة فتجب بلا تفصيل ثم له ثلاثة أحوال أحدها‏:‏ أن لا تكون بلغته دعوة نبي أصلاً فلا قصاص على الصحيح وأوجبه القفال وأما الدية فهل تجب دية مجوسي أم مسلم وجهان أو قولان أصحهما‏:‏ الأول وبه قطع جماعة الثاني‏:‏ أن يكون متمسكاً بدين ولم يبدل ولم يبلغه ما يخالفه فلا قصاص على الأصح فعلى هذا هل تجب دية مسلم أم دية أهل ذلك الدين وجهان أصحهما‏:‏ الثاني الثالث‏:‏ أن يكون متمسكاً بدين لحقه التبديل لكن لم يبلغه ما يخالفه فلا قصاص قطعاً وهل تجب دية مجوسي أم دية أهل دينه أم لا يجب شيء فيه أوجه أصحها‏:‏ الأول‏.‏

فرع من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر مع التمكن أو دون إذا قتله مسلم تعلق بقتله القصاص والدية لأن العصمة بالإسلام‏.‏

 فصل لا يجزىء في الدية مريض ولا معيب

بعيب يثبت الرد في البيع إلا برضى المستحق سواء كانت إبل من عليه سليمة أم معيبة‏.‏

فرع الغالب أن الناقة لا تحمل حتى يكون لها خمس سنين وهي الثنية فلو حملت قبل ذلك فهل يلزمه قبولها في الخلفات قولان أظهرهما‏:‏ نعم وإذا تنازعا في كونها خلفات عمل بقول عدلين من أهل الخبرة وإذا أخذت بقول العدلين أو بتصديق المستحق فماتت عند المستحق وتنازعا في الحمل شق جوفها لتعرف فإن بان أنها لم تكن حاملاً غرمها المستحق وأخذ بدلها خلفة وفي وجه يأخذ أرش النقص فقط والصحيح الأول ولو صادفنا الناقة المأخوذة حائلاً فقال المستحق‏:‏ لم يكن بها حمل وقال الدافع‏:‏ أسقطت عندك فإن لم يحتمل الزمان الإسقاط ردت وطولب بخلفة وإن احتمل نظر إن أخذت بقول الجاني فقط صدق المستحق بيمينه وإن أخذت بقول أهل الخبرة فأيهما يصدق وجهان أصحهما‏:‏ الدافع‏.‏

فرع من لزمته الدية من الجاني أو العاقلة له حالان الأولى أن لا يملك إبلاً فيلزمه تحصيل الواجب من غالب إبل البلدة أو القبيلة إن كانوا أهل بادية ينتقلون فإن تفرقت العاقلة في البلدان أو في القبائل أخذت حصة كل واحد من غالب إبل بلده أو قبيلته فإن لم يكن في البلد أو القبيلة إبل أو كانت بعيدة عن البلد اعتبر إبل أقرب البلاد ويلزمه النقل إن قربت المسافة فإن بعدت وعظمت المؤنة والمشقة لم يلزمه وسقطت المطالبة بالإبل وأشار بعضهم إلى ضبط البعيد بمسافة القصر وقال الإمام‏:‏ لو زادت مؤنة إحضارها على قيمتها في موضع العزة لم يلزمه تحصيلها وإلا فيلزم‏.‏

الحالة الثانية‏:‏ أن يملك إبلاً فإن كانت من غالب إبل البلدة أو القبيلة فذاك وإن كانت من صنف آخر أخذت أيضاً من أي صنف كانت هذا هو الصحيح وبه قطع الأكثرون من العراقيين وغيرهم وهو ظاهر نصه في المختصر وفي وجه حكاه الإمام عن محققي المراوزة واختاره أنه يجب غالب إبل البلد ومتى تعين نوع فلا عدول إلى ما فوقه أو دونه إلا بالتراضي وإذا كان الاعتبار بإبل البلد أو القبيلة فكانت نوعين فأكثر ولا غالب فيها فالخيرة إلى الدافع وإذا اعتبرنا إبل من عليه فتنوعت فوجهان أحدهما تؤخذ من الأكثر فإن استويا دفع ما شاء والثاني‏:‏ تؤخذ من كل بقسطه إلا أن يتبرع فيعطي الجميع من الأشرف ولو دفع نوعاً غير ما في بيده أجبر المستحق على قبوله إذا كان من غالب إبل البلد والقبيلة كذلك وإذا كانت الإبل تباع بأكثر من ثمن المثل فهي كالمعدومة فلا يلزم تحصيلها‏.‏

فرع إذا كانت الإبل موجودة وعدل من عليه الدية ومستحقها إلى القيمة أو غيرها بالتراضي جاز كما لو أتلف مثلياً وتراضيا على أخذ القيمة مع وجود المثل جاز قال صاحب البيان‏:‏ هكذا أطلقوه وليكن ذلك مبنياً على جواز الصلح عن إبل الدية ولو أراد أحدهما العدول عن الإبل لم يجبر الآخر عليه وحكي وجه عن ابن سلمة وغيره أن الجاني يتخير بين الإبل والدراهم والدنانير المقدرة على القول القديم تفريعاً على القديم والمذهب الأول فإن لم توجد الإبل في الموضع الذي يجب تحصيلها منه أو وجدت بأكثر من ثمن المثل فقولان الجديد الأظهر‏:‏ أن الواجب قيمة الإبل بالغة ما بلغت والقديم‏:‏ يجب ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم وفي وجه مخرج على القديم عشرة آلاف درهم والاعتبار بالدراهم والدنانير المضروبة الخالصة وذكر الإمام أن الدافع يتخير بين الدراهم والدنانير وقال الجمهور‏:‏ على أهل الذهب ذهب وعلى أهل الورق ورق فإن كان الواجب دية مغلظة فهل يزاد للتغليظ شيء وجهان أصحهما‏:‏ لا والثاني‏:‏ يزاد ثلث المقدر فعلى هذا لو تعدد سبب التغليظ بأن قتل محرماً في الحرم فهل يتكرر التغليظ وجهان أصحهما‏:‏ لا فلا يزاد على الثلث كما لو قتل المحرم صيداً حرمياً يلزمه جزاء فقط والثاني‏:‏ يزاد لكل سبب ثلث دية فعلى هذا لو قتل ذا رحم محرماً في الحرم والأشهر الحرم عمداً وجب ثمانية وعشرون ألف درهم وأما إذا قلنا بالجديد فتقوم الإبل بغالب نقد البلد وتراعى صفتها في التغليظ إن كانت مغلظة قال الإمام‏:‏ فإن غلب نقدان في البلد يخير الجاني منهما وتقوم الإبل التي لو كانت موجودة وجب تسليمها فإن لم يكن هناك إبل قومت من صنف أقرب البلاد إليهم وهل تعتبر قيمة موضع الوجود أم موضع الاعواز لو كانت فيه إبل وجهان أصحهما‏:‏ الثاني وتعتبر قيمتها يوم وجوب التسليم هذا هو المفهوم من كلام الأصحاب وقال الروياني‏:‏ إن وجبت الدية والإبل مفقودة اعتبرت قيمتها يوم الوجوب وإن وجبت وهي موجودة فلم تؤد حتى أعوزت وجبت قيمتها يوم الإعواز وإن وجد بعض الإبل الواجبة أخذ الموجود وقيمة الباقي‏.‏

فرع قال الإمام لو قال المستحق عند إعواز الإبل لا أطالب الآن بشيء وأصبر إلى أن يوجد فالظاهر أن الأمر إليه لأن الأصل هو الإبل ويحتمل أن يقال لمن عليه أن يكلفه قبض ما عليه لتبرأ ذمته قال‏:‏ ولم يصر أحد من الأصحاب إلى أنه لو أخذ الدراهم ثم وجدت الإبل يرد الدراهم ويرجع إلى الإبل بخلاف ما إذا غرم قيمة المثلي لإعواز المثل ثم وجد ففي الرجوع إلى المثل خلاف‏.‏

وبالله التوفيق‏.‏

 الباب الثاني في دية ما دون النفس

هي ثلاثة أقسام‏:‏ جرح وإبانة طرف وإزالة منفعة‏.‏

وهي نوعان جائفة وغيرها الأول‏:‏ غير الجائفة وهي ضربان‏:‏ جراحات الرأس والوجه وجراحات سائر البدن‏.‏

الضرب الأول‏:‏ جراحات الرأس والوجه ففي الموضحة‏:‏ خمس من الإبل سواء كانت على الهامة والناصية أو القذال وهو جماع مؤخر الرأس أو الخشاء وهي العظم الذي خلف الأذن أو منحدر القمحدوة إلى الرقبة وهي ما خلف الرأس وذكر في العظم الواصل بين عمود الرقبة وكرة الرأس وجه أنه ليس محلاً للموضحة كالرقبة ويشبه أن تكون هي المنحدر المذكور أو تكون منه‏.‏

وأما الوجه فالجبهة منه والجبينان والخدان وقصبة الأنف واللحيان كلها محل الإيضاح سواء المقبل من اللحيين الذي تقع به المواجهة وما تحت المقبل خارجاًعن حد المغسول في الوضوء لأن اسم الموضحة يشمل جميعها وإنما يجب في الموضحة خمس من الإبل في حق من تجب الدية الكاملة بقتله وهو الحر المسلم الذكر وهذا المبلغ نصف عشر ديته فتراعى هذه النسبة في حق غيره فتجب في موضحة اليهودي نصف عشر ديته وهو بعير وثلثان وفي موضحة المرأة بعيران ونصف وفي موضحة المجوسي ثلثا بعير وعن الإصطخري وأبي محمد الفارسي أن في موضحة الوجه أكثر الأمرين من خمس من الإبل والحكومة وهذا شاذ مردود ولا تفريع عليه‏.‏

إذا هشم العظم مع الإيضاح وجب عشر من الإبل وإن نقل مع ذلك وجب خمسة عشر بعيراً وحكى السرخسي قولاً قديماً أن في الهاشمة خمساً من الإبل وحكومة وليس بشيء‏.‏

فرع في المأمومة ثلث الدية وفي الدامغة أيضاً ثلث الدية على الصحيح المنصوص وقال الماوردي‏:‏ ثلث الدية وحكومة وحكى الفوراني وجماعة أن فيها الدية بكمالها لأنها تذفف وبهذا قال الإمام وكأن الأولين يمنعون تذفيفها‏.‏

فرع هشم العظم ولم يوضح وجب خمس من الإبل على الأصح المنصوص ابن أبي هريرة‏:‏ تجب حكومة ككسر سائر العظام ولو نقل العظم من غير إيضاح فهل يجب عشر من الإبل م حكومة فيه هذان الوجهان وفي الرقم وغيره أن موضع الوجهين ما إذا لم يحوج الهشم إلى بط وشق لإخراج العظم أو تقويمه فإن أحوج إليه فالذي أتى به هاشمة تجب فيها عشر من الإبل‏.‏

فرع أوضح واحد وهشم آخر ونقل ثالث وأم رابع فعلى الأول القصاص أو خمس من الإبل وعلى الثاني خمس وعلى الثالث خمس وعلى الرابع ما بين المنقلة والمأمومة وهو ثمانية عشر بعيراً وثلث بعير وقيل‏:‏ يجب على الجميع ثلث الدية أرباعاً والصحيح الأول فلو خرق خامس خريطة الدماغ ففي التهذيب أن عليه تمام دية النفس كمن حز رقبة إنسان بعدما قطعت أطرافه وهذا على طريقة من قال‏:‏ الدامغة مذففة‏.‏

فرع ما قبل الموضحة من الشجاج كالدامية والحارصة والباضعة والمتلاحمة ليس فيها أرش موضحة والثاني وبه قال الأكثرون‏:‏ إن لم يمكن معرفة قدرها من الموضحة فكذلك وإن أمكن بأن كان على رأسه موضحة إذا قيس بها الباضعة مثلاً عرف أن المقطوع ثلث أو نصف في عمق اللحم وجب قسطه من أرش الموضحة فإن شككنا في قدرها من الموضحة أوجبنا التعين قال الأصحاب‏:‏ وتعتبر مع ذلك الحكومة فيجب أكثر الأمرين من الحكومة وما يقتضيه التقسيط لأنه وجد سبب كل واحد منهما‏.‏

الضرب الثاني‏:‏ جراحات سائر البدن فليس في إيضاح عظامه ولا هشمها ولا تنقيلها أرش مقدر النوع‏.‏

النوع الثاني‏:‏ الجائفة وفيها ثلث الدية وهي الجراحة الواصلة إلى الجوف الأعظم من البطن أو الصدر أو ثغرة النحر أو الجنبين أو الخاصرة أو الورك أو العجان إلى الشرج وقد سبق أن العجان ما بين الفقحة والخصية وكذا الجراحة النافذة إلى الحلق من القفا أو الجانب المقبل من الرقبة والنافذة من العانة إلى المثانة وفي النافذة من الذكر إلى ممر البول وجهان أصحهما‏:‏ ليست بجائفة ولو نفذت إلى داخل الفم بهشم الخد أو اللحي أو بخرق الشفة أو الشدق أو إلى داخل الأنف بهشم القصبة أو بخرق المارن فليست بجائفة على الأظهر ويقال‏:‏ الأصح لأنهما ليسا من الأجواف الباطنة ولهذا لا ينظر بالواصل إليهما ولأنه لا يعظم فيهما الخطر بخلاف ما يصل إلى جوف الرأس والبطن فعلى هذا يجب في صورة الهشم أرش هاشمة أو منقلة وتجب معه حكومة للنفوذ إلى الفم والأنف لأنها جناية أخرى ولو نفذت الجراحة من الجفن إلى بيضة العين فهل هي جائفة أم لا تجب إلا حكومة وجهان أصحهما‏:‏ الثاني ولو وضع السكين على الكتف أو الفخذ وجرها حتى بلغ البطن فأجاف لزمه أرش الجائفة وحكومة لجراحة الكتف والفخذ لأنها في غير محل الجائفة بخلاف ما لو وضعها على صدره وجرها حتى أجاف في البطن أو في ثغرة النحر فإنه يجب أرش الجائفة بلا حكومة لأن جميعه محل الجائفة‏.‏

لا فرق بين أن يجيف بحديدة أو خشبة محددة ولا بين أن تكون الجائفة واسعة أو ضيقة حتى لو غرز فيه إبرة فوصلت إلى الجوف فهي جائفة وقيل‏:‏ إنما تكون جائفة إذا قال أهل الخبرة‏:‏ إنه يخاف منه الهلاك وليس بشيء‏.‏

 فصل لا فرق في الموضحة بين الصغيرة والكبيرة

والبارزة والمستورة بالشعر والتي يتولد منها شين فاحش والتي لا يتولد فلا يجب في الجميع إلا خمس من الإبل فإن تعددت الموضحة تعدد الأرش وتعددها يكون بأسباب‏.‏

الأول‏:‏ اختلاف الصورة بأن أوضحه في موضعين من رأسه وبقي اللحم والجلد بينهما فيجب أرشان سواء رفع الحديدة عن موضحة ثم وضعها على موضع آخر فأوضحه أو جرها على الرأس من موضع الإيضاح إلى أن تحامل عليها في موضع آخر فأوضحه وبقي اللحم والجلد بينهما سليمين وحكى الإمام في الصورة الثانية وجهاً ضعيفاً أن الحاصل موضحة واحدة لاتحاد الفعل ولو كثرت الموضحات تعدد الأرش بحسبها ولا ضبط وقيل‏:‏ إذا كثرت وصارت بحيث لو أوجبنا لكل موضحة خمسا من الإبل لزاد المبلغ على دية نفس لم يوجب أكثر من دية نفس والصحيح الأول ولو لم يبق الحاجز بين موضعي الإيضاح بكماله بل بقي جلد دون اللحم أو عكسه فأربعة أوجه أصحها أن الحاصل موضحة والثاني‏:‏ موضحتان والثالث‏:‏ إن بقي الجلد فموضحة وإن بقي اللحم فموضحتان والرابع‏:‏ عكسه فعلى الأول لو أوضح في موضعين ثم أوغل الحديدة ونفذها من إحداهما إلى الأخرى في الداخل ثم سلها فهل يتحدان وجهان ولو عاد الجاني فرفع الحاجز بين موضحتيه قبل الاندمال فالصحيح أنه لا يلزمه إلا أرش واحد وقيل‏:‏ أرشان وقيل‏:‏ ثلاثة ولو تآكل الحاجز بينهما كان كما لو رفعه الجاني لأن الحاصل بسراية فعله منسوب إليه ولو رفع الجلد أو اللحم أو تآكل أحدهما دون الآخر ففيه الأوجه الأربعة ولو رفع الحاجز غير الجاني فعليه أرش موضحة وعلى الأول‏:‏ أرشان ولو رفعه المجني عليه ففعله هدر ولا يسقط به شيء مما وجب على الجاني ولو أوضحه رجلان فتآكل الحاجز بين موضحتيهما عادتا إلى واحدة فعلى كل واحد نصف الأرش ولو اشتركا في موضحتين ثم رفع أحدهما الحاجز بينهما فعلى الرافع نصف أرش وعلى الآخر أرش كامل‏.‏

فرع شجه شجة بعضها موضحة وبعضها متلاحمة أو سمحاق فالواجب في الجميع أرش موضحة ويدخل فيها حكومة المتلاحمة والسمحاق لأنها لو كانت كلها موضحة لم يجب إلا أرش فهنا أولى فلو اقتص فيما فيها من الموضحة فهل له الحكومة لما حولها من المتلاحمة والسمحاق قال البغوي‏:‏ يحتمل أن يكون فيه وجهان كما لو قطع يده من نصف الكف فاقتص من الأصابع هل له حكومة نصف الكف وجهان‏.‏

السبب الثاني‏:‏ اختلاف المحل فلو نزل في الإيضاح من الرأس إلى الجبهة إما لشمول الإيضاح وإما بأن أوضح شيئاً من الرأس و شيئاً من الوجه وجرح بينهما جراحة دون الموضحة فوجهان أحدهما‏:‏ الحاصل موضحة لأن الجبهة والرأس محل الإيضاح وأصحهما‏:‏ موضحتان لاختلاف المحل ولو شملت الموضحة الجبهة والوجنة قال الإمام في التعدد تردد والمذهب الاتحاد تنزيلاً لأجزاء الوجه منزلة أجزاء الرأس ولو جر السكين من موضحة الرأس إلى القفا وجرح القفا مع إيضاحه أو بغير إيضاحه لزمه مع أرش الموضحة حكومة لجرح القفا لأنه ليس محل الإيضاح فلم تدخل حكومته في الأرش ولو جر السكين من موضحة الرأس إلى الجبهة وجرحها جراحة متلاحمة فإن قلنا‏:‏ لو أوضح في الجبهة أيضاً كان الحاصل موضحة دخلت حكومة جراحة الجبهة في أرش الموضحة وإن قلنا‏:‏ الحاصل موضحتان وجب مع الأرش حكومة‏.‏

السبب الثالث‏:‏ تعدد الفاعل بأن أوضح رجلاً فوسع آخر تلك الموضحة أو أوضح قطعة متصلة بموضحة الأول فعلى كل واحد منهما أرش كامل ولو وسع الأول موضحته لزمه أرش واحد على الصحيح وقيل‏:‏ أرشان‏.‏

السبب الرابع‏:‏ اختلاف الحكم بأن أوضحه موضحة واحدة هو في بعضها مخطىء وفي بعضها متعمد أو في بعضها مقتص وفي بعضها متعد فهل الحاصل موضحة لاتحاد الصورة والجاني والمحل أم موضحتان لاختلافهما وجهان أصحهما‏:‏ موضحتان فإن قلنا‏:‏ موضحة وزع الأرش على البعضين وإن قلنا‏:‏ موضحتان وجب أرش كامل لما تعدى به ولو أوضح موضحتين عمداً ورفع الحاجز بينهما خطأ وقلنا بالصحيح‏:‏ أنه لو رفعه عمداً تداخل الأرشان فهل يلزمه أرش ثالث أم لا يلزمه إلا أرش واحد وجهان‏.‏

قلت‏:‏ أرجحهما أرش فقط‏.‏

والله أعلم‏.‏

فرع يتعدد أرش الجائفة بتعددها فلو أجاف جائفتين ثم رفع الحاجز بينهما أو تآكل ما بينهما أو رفعه غير الجاني ما ذكره في الموضحة‏.‏

وتتعدد الجائفة بتعدد الصورة بأن يجرحه جراحتين نافذتين إلى الجوف فإن بقي بينهما الجلدة الظاهرة أو انخرق ما تحتها أو بالعكس فيشبه أن يكون حكمه كما ذكرنا في الموضحة وتتعدد بتعدد المحل بأن ينفذ جراحتين إلى جوفين ويتعدد الفاعل بأن يوسع جائفة غيره وفصله الأصحاب فقالوا‏:‏ إن أدخل السكين في جائفة غيره ولم يقطع شيئاً فلا ضمان عليه ويعزر وإن قطع شيئاً من الظاهر دون الباطن أو بالعكس فعليه حكومة وإن قطع شيئاً من الظاهر ومن جانب بعض الباطن قال المتولي‏:‏ ينظر في ثخانة اللحم والجلد ويسقط أرش الجائفة على المقطوع من الجائفتين وقد يقتضي التقسيط تمام الأرش بأن يقطع نصف الظاهر من جانب ونصف الباطن من جانب ولو لم يقطع من أطراف الجائفة شيئاً ولكن زاد في غورها أو كان قد ظهر عضو باطن كالكبد فغرز السكين فيه فعليه الحكومة ولو عاد الجاني فوسع الجائفة أو زاد في غورها لم يزد الواجب وكان كما لو أجاف ابتداء كذلك ويمكن أن يعود فيه الوجه السابق في توسيع الموضحة ويجيء في اختلاف حكم الجائفة وانقسامها إلى عمد وخطأ ما سبق في الموضحة ولو ضربه بسنان أو مشقص له رأسان فنفذ إلى جوفه والحاجز بينهما سليم فهما جائفتان ولو طعنه بسنان في بطنه فأنفذه من ظهره أو من أحد الجنبين إلى الآخر فهل هما جائفتان أم جائفة وجهان ويقال قولان أصحهما‏:‏ جائفتان فإن قلنا‏:‏ جائفة وجب معها حكومة على الأصح وقيل‏:‏ لا حكومة‏.‏

إذا أوضحه فاندملت أطراف الجراحة وبقي شيء من العظم بارزاً لم يسقط شيء من الأرش قطعاً وإن التحم الموضع ولم يبق شيء من العظم بارزاً فكذلك على الصحيح وقيل‏:‏ إن لم يبق شين سقط الأرش ولا حكومة وإن بقي سقط الأرش ووجبت حكومة وليس بشيء وإذا اندملت الجائفة لم يسقط شيء من الأرش على المذهب وقيل‏:‏ يعود إلى الحكومة وقيل‏:‏ في سقوطه قولان كعود السن‏.‏

فرع إذا التحمت الجائفة أو الموضحة فجاء جان إما الأول وإما غيره فأوضح في ذلك الموضع أو أجاف فعليه أرش آخر إن كان الالتحام قد تم سواء نبت عليه الشعر أم لا وسواء كان متغير اللون مشيناً أم لا وإن لم يتم الالتحام ففتقه فعليه الحكومة فقط ولو نزع الخيط الذي خيطت الجائفة به قبل أن يلتحم فعليه التعزير وأجرة مثل الخياط وضمان الخيط إن تلف ولا أرش ولا حكومة وإن التحمت ظاهراً وباطناً فانفتحت فهي جائفة جديدة وكذا لو انفتح جانب منها بعد تمام التحامه فإن التحم ظاهرها دون باطنها أو بالعكس فعليه الحكومة دون الأرش ولا يجب مع الأرش أو الحكومة أجرة الخياط لكن يجب ضمان الخيط إن تلف‏.‏

إحداهما‏:‏ غرز إبرة في رأس رجل حتى انتهت إلى العظم وسلها فهي موضحة على المذهب وبه قطع الجمهور وخرجه الإمام على وجهين‏.‏

الثانية‏:‏ موضحة هشم في بعضها فقط ليس فيها إلا أرش هاشمة‏.‏

الثالثة‏:‏ أوضح وهشم في موضعين واتصل الهشم بينهما في الباطن فالصحيح أنهما هاشمتان وقيل‏:‏ هاشمة‏.‏

الرابعة‏:‏ أوضح في مواضع متفرقة وهشم في كل واحد منها فهي هاشمتان على الصحيح وقيل‏:‏ موضحتان وهاشمة واحدة‏.‏

الخامسة‏:‏ أدخل في دبره شيئاً خرق به حاجزاً في الباطن هل عليه أرش جائفة وجهان‏.‏

السادسة‏:‏ شجه متلاحمة فأوضحه آخر في ذلك الموضع بقطع اللحم الباقي فعلى كل منهما حكومة‏.‏

السابعة‏:‏ أجافه ونكأ في بعض الأعضاء الباطنة كالأمعاء فعليه مع أرش الجائفة حكومة‏.‏

القسم الثاني إبانة الأطراف والمقدر بدله من الأعضاء ستة عشر عضواً وفي استئصالهما قطعاً أو قلعاً كمال الدية وحكي قول أو وجه مخرج أن فيهما الحكومة والمذهب الأول وفي إحداًهما نصف الدية وفي بعضها بقسطه وتقدر بالمساحة وسواء أذن السميع والأصم لأن السمع ليس في نفس الأذن ولو ضرب أذنه فاستحشفت أي‏:‏ يبست كشلل اليد فقولان أظهرهما‏:‏ تجب ديتها كما لو ضرب يده فشلت والثاني‏:‏ لا تجب إلا الحكومة لأن منفعتها لا تبطل بالاستحشاف بخلاف الشلل‏.‏

ولو قطع أذناً مستحشفة بني على هذا الخلاف إن قلنا‏:‏ هناك تجب الدية وجب هنا حكومة كمن قطع يداً شلاء وإن قلنا‏:‏ تجب الحكومة وجب هنا الدية وعن الشيخ أبي حامد هذه الحكومة مع الحكومة الواجبة بالجناية التي حصل بها الاستحشاف عن كمال الدية وجهان‏.‏

فرع لو لم يقتصر على استئصال الشاخص بل أوضح معه العظم وجب دية الأذن وأرش الموضحة ولا تتبعها لأنه لا يتبع مقدر مقدراً‏.‏

العضو الثاني العينان ففي فقئهما كمال الدية وفي إحداهما‏:‏ نصفها وعين الأعور السليمة لا يجب فيها إلا نصف الدية عندنا كما أن يد الأقطع ليس فيها إلا نصف الدية ولو فقأ الأعور مثل عينه المبصرة اقتص منه وتكمل الدية في عين الأحول والأعمش والعمش‏:‏ ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في أكثر الأوقات ويقال‏:‏ إن خلل الأعمش في الأجفان وفي عين الأعشى وهو الذي لا يبصر ليلاً ويبصر نهاراً والأخفش وهو صغير العين ضعيف البصر وقيل‏:‏ هو من يبصر بالليل دون النهار لأن المنفعة باقية في أعين هؤلاء ومقدار المنفعة لا ينظر إليه ولو كان في العين بياض لا ينقص الضوء لم يمنع القصاص ولا كمال الدية سواء كان على بياض الحدقة أو سوادها وكذا لو كان على الناظر إلا أنه رقيق لا يمنع الإبصار ولا ينقص الضوء وإن كان ينقص الضوء نظر إن أمكن ضبط النقص بالاعتبار بالصحيحة التي لا بياض فيها سقط من الدية قسط ما نقص وإلا فالواجب الحكومة‏.‏

العضو الثالث الأجفان الأربعة وفيها كمال الدية وفي كل جفن ربعها وفي بعض الجفن قسطه من الربع وسواء الجفن الأعلى والأسفل وجفن الأعمى والأعمش وغيرهما ولا دية في الجفن المستحشف وإنما فيه الحكومة ولو ضرب الجفن فاستحشف لزمه الدية قطعاً ولو قلع الأجفان والعينان لزمه ديتان‏.‏

فرع إزالة الأهداب وسائر الشعور كشعر الرأس واللحية بالحلق وغيره من غير إفساد المنبت لا يوجب إلا التعزير فإن أفسد المنبت لزمه الحكومة فإذا لم يكن على الأجفان أهداب فالواجب بقطعها الدية فإن قطعت وعليها أهداب فهل تجب مع الدية حكومة الأهداب أم تدخل في الدية وجهان أصحهما‏:‏ الدخول وتدخل حكومة الشعر على محل الموضحة في أرش الموضحة على المذهب وقيل‏:‏ فيه وجهان‏.‏

العضو الرابع الأنف ففي قطع المارن وهو مالان من الأنف وخلا من العظم كمال الدية والمارن‏:‏ ثلاث طبقات الطرفان والوترة الحاجزة بينهما وفي كيفية توزيع الدية وجهان أحدهما وبه قال أبو علي الطبري ورجحه القاضيان الطبري والروياني توزع على الثلاث فعلى هذا إن رفع الحاجز وحده وجب ثلث الدية ولو قطع أحد الطرفين فكذلك ولو قطعهما دون الحاجز أو أحدهما مع الحاجز وجب ثلثا الدية ولو قطع أحدهما ونصف الحاجز وجب نصف الدية والوجه الثاني وهو المنصوص ويحكى عن ابن سريج وأبي إسحاق وصححه البغوي‏:‏ أن الدية تتعلق بالطرفين وليس في الحاجز إلا الحكومة فعلى هذا في الحاجز وحده الحكومة وفي أحد الطرفين نصف الدية وفي قطعهما دون الحاجز كمال الدية وفي أحدهما مع الحاجز أو بعضه نصف الدية وحكومة ولو سقط بعض أنف المجذوم فقطع رجل الباقي وجب قسطه من الدية وأنف الأخشم كأنف الأشم ولو ضرب أنفه فاستحشف أو قطع أنفا مستحشفاً فعلى الخلاف المذكور في الأذن ولو شق مارنه فذهب بعضه ولم يلتئم فعليه من الدية قسط الذاهب وإن لم يذهب منه شيء فعليه الحكومة سواء التأم أم لا ولو انجبرت القصبة بعد الكسر فعليه الحكومة فإن بقي معوجاً كانت الحكومة أكثر‏.‏

العضو الخامس الشفتان ففي استيعابهما كمال الدية سواء كانتا غليظتين أم دقيقتين كبيرتين أم صغيرتين وفي إحداهما نصفها سواء التأم أم لا ولو انجبرت القصبة بعد الكسر فعليه الحكومة إلى الشدقين وفي ضبطه في الطول أربعة أوجه أصحها وهو المنصوص وبه قطع الأكثرون‏:‏ أن الشفة من جوف الفم إلى الموضع الذي يستر اللثة والثاني‏:‏ أنها المتجافي إلى محل الارتتاق والثالث‏:‏ الذي ينتأ عند إطباق الفم والرابع‏:‏ الذي لو قطع لم تنطبق الشفة الأخرى على الباقي ولو ضرب شفته فأشلها فصارت منقبضة لا تسترسل أو مسترسلة لا تنقبض فعليه كمال الدية وفي الشفة الشلاء الحكومة ولو شق شفتيه ولم يبق منهما شيء لزمه حكومة ولو قطع شفة مشقوقة فعليه دية ناقصة بقدر حكومة الشق ولو قطع بعض الشفة وتقلص الباقي حتى بقيت كالمقطوع جميعها فهل يجب كمال الدية أو تتوزع على المقطوع والباقي وجهان وهل تتبع حكومة الشارب دية الشفة وجهان‏.‏

العضو السادس اللسان ففيه دية ولسان الألكن والمبرسم الذي ثقل كلامه والألثغ كغيره وفي لسان الأخرس حكومة سواء كان خرسه أصلياً أم عارضاً وفي وجوب الدية فيه احتمال لابن سلمة والمذهب الأول وهذا إذا لم يذهب الذوق بقطع الأخرس أو كان قد ذهب ذوقه قبله فأما إذا قطع لسانه فذهب ذوقه ففيه الدية ولو تعذر النطق لا لخلل في اللسان ولكنه ولد أصم فلم يحسن الكلام لأنه لم يسمع شيئاً فهل تجب فيه الدية أم الحكومة وجهان يجيء ذكرهما إن شاء الله تعالى ولو قطع لسان طفل نظر إن نطق ب بابا ودادا ونحوهما أو كان يحركه عند البكاء والضحك والامتصاص تحريكاً صحيحاً وجبت الدية لظهور آثار الكلام فيه وإن لم يوجد نطق وتحريك فإن كان بلغ وقت النطق والتحريك فالواجب حكومة وإلا فالمذهب وجوب الدية أخذا بظاهر السلامة كما تجب الدية في رجله ويده وإن لم يكن في الحال بطش وبهذا قطع جماهير الأصحاب في طرقهم ونقل الإمام عن الأصحاب أن الواجب الحكومة ونقل ابن القطان فيه قولين وإذا قطع بعض لسانه طفل واقتضى الحال إيجاب الحكومة فأخذناها ثم نطق ببعض الحروف وعرفنا سلامة لسانه أوجبنا تمام القدر الذي يقتضيه القطع من الدية ولوكان للسانه طرفان نظر إن استويا في الخلقة فهو لسان مشقوق فيجب بقطعهما الدية وبقطع أحدهما قسطه من الدية وإن كان أحدهما تام الخلقة أصلياً والآخر ناقص الخلقة زائداً ففي قطعهما دية وحكومة وفي الأصلي دية وفي الزائد حكومة ولا يبلغ بحكومته دية قدره من اللسان من ثلث وربع ونحوهما وفي قطع اللهاة الحكومة‏.‏

فيجب في كل سن من الذكر الحر المسلم خمس من الإبل سواء قلعها أو قطعها أو كسرها ولو اقتلعها فبقيت معلقة بعروق ثم عادت إلى ما كانت فليس عليه إلا حكومة ذكره الروياني وتستوي الأسنان في الدية وإن اختلفت منافعها وتكمل دية السن بقلع كل سن أصلية تامة مثغورة غير متقلقلة فهذه أربعة قيود الأول‏:‏ كونها أصلية ففي الشاغية الحكومة لا الدية ولو سقطت سنه فاتخذ سناً من ذهب أو حديد أو عظم طاهر فلا دية في قلعها وأما الحكومة فإن قلعت قبل الالتحام لم تجب لكن يعزر القالع وإن قلعت بعد تشبث اللحم بها واستعدادها للمضغ والقطع فلا حكومة أيضاً على الأظهر‏.‏

الثاني‏:‏ كونها تامة وتكمل دية السن بكسر ما ظهر من السن وإن بقي السنخ بحاله ولو قلع السن من السنخ وجب أرش السن فقط على المذهب وقيل في وجوب الحكومة معه وجهان ولو كسر الظاهر رجل وقلع السنخ آخر فعلى الأول دية سن وعلى الثاني حكومة قطعاً ولو عاد الأول وقلعه بعد الاندمال فعليه حكومة مع الدية وإن قلعه قبل الاندمال فكذلك على الأصح وقيل‏:‏ لا حكومة وطرد مثل هذا في قطع الكف بعد قطع الأصابع من القاطع أو غيره ولو قطع بعض الظاهر فعليه قسطه من الأرش وينسب المقطوع إلى الباقي من الظاهر ولا يعتبر السنخ على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل‏:‏ وجهان ثانيهما يوزع عليه وعلى السنخ وفي معنى هذا صور منها‏:‏ أن الدية تكمل في قطع ومنها‏:‏ حلمة الثدي فيها كمال الدية فلو استؤصل الثدي ففيه الطريقان والمذهب فيهما الإندراج‏.‏

ومنها‏:‏ في المارن الدية فلو قطعه مع القصبة فهل تندرج حكومة القصبة في دية المارن وجهان الصحيح الاندراج‏.‏

واعلم أنا قدمنا أن قصبة الأنف محل الموضحة في الوجه وكذا هي محل الهاشمة والمنقلة وإبانة القصبة أعظم من المنقلة فيجب أن تجب فيها مع دية المارن أرش المنقلة وإبانة القصبة أعظم من المنقلة فيجب أن يجب فيها مع دية المارن أرش المنقلة وقد حكى ابن كج هذا عن النص لكن لم أجد لغيره تعرضاً له‏.‏

وإذا قلنا بالاندراج في هذه الصور فقطع بعض الحشفة أو الحلمة أو المارن فهل ينسب المقطوع إلى الحشفة أم جميع الذكر وإلى الحلمة أم جميع الثدي وإلى المارن أم إليه مع القصبة فيه الطريقان اللذان في بعض ظاهر السن والمذهب التوزيع على الحشفة والحلمة والمارن فقط فإذا اختلفا في قدر المكسور من ظاهر السن فالمصدق الجاني لأن الأصل براءته‏.‏

فرع كسر واحد بعض ظاهر السن ثم كسر غيره الباقي من الظاهر فعلى كل منهما قسط ما كسره من الأرش ولو قلع الثاني الباقي مع السنخ فطريقان أحدهما على وجهين أحدهما‏:‏ عليه أرش الباقي وحكومة السنخ والثاني عليه الأرش فقط والطريق الثاني‏:‏ وهو الأصح وبه قطع الأكثرون ينظر في جناية الأول فإن كسر بعض السن في العرض وبقي الأسفل بحاله فليس على الثاني حكومة السنخ بل يدخل في أرش الباقي وإن كسر بعضها في الطول فحكومة السنخ بقدر ما يجب الباقي من السن يدخل في أرشه وما لا شيء فوقه تلزمه حكومته‏.‏

فرع لو ظهر بعض السنخ بخلل أصاب اللثة لم يلحق ذلك بالظاهر بل تكمل الدية فيما كان ظاهراً في الأصل‏.‏

فرع لو تناثر بعض السن أو تآكل لو تناثر بعض السن أو تآكل ففي قلعها قسط ما بقي من الدية فإن اختلفا في قدر المتناثر والمتآكل صدق المجني عليه بيمينه‏.‏

فرع أسنانه من الأعلى طويلة ومن الأسفل قصيرة لو كانت أسنانه من الأعلى طويلة ومن الأسفل قصيرة أو بالعكس لم يؤثر ذلك ووجب لكل واحدة كمال الأرش والغالب أن الثنايا من الأسنان تكون أطول من الرباعيات بقليل فلو كانت ثناياه كرباعياته أو أقصر منها فوجهان أحدهما حكاه الإمام عن الأكثرين‏:‏ لا يجب فيها تمام الأرش بل ينقص منه بحسب نقصانها وبهذا قطع الروياني والثاني‏:‏ يجب كمال الأرش وبه قطع البغوي ولو كانت إحدى الثنيتين من الأعلى أو الأسفل أقصر من أختها فقلعت الصغيرة نقص من ديتها بقدر نقصانها لأن الغالب أنهما لا تختلفان فإذا اختلفتا كانت القصيرة ناقصة ولو أنهى صغر السن إلى أن بطلت منفعته ولم يصلح للمضغ ففي قلعها الحكومة دون الدية كاليد الشلاء‏.‏

القيد الثالث‏:‏ كونها مثغورة فلو قلع سن صغير لم يثغر فقد سبق في كتاب الجنايات أنه لا يستوفى في الحال قصاص ولا دية لأن الغالب عودها فهي كالشعر يحلق لكن ينتظر عودها فإن عادت فلا قصاص ولا دية وتجب الحكومة إن بقي شين وإلا فهل يعتبر حال الجناية وقيام الألم أم لا يجب شيء فيه خلاف يأتي في باب الحكومات إن شاء الله تعالى وإن مضت المدة التي يتوقع فيها العود ولم تعد وفسد المنبت استوفي القصاص أو الدية فإن مات الصبي قبل بيان الحال ففي وجوب الأرش وجهان وقيل‏:‏ قولان أحدهما يجب لتحقق الجناية والأصل عدم العود وأصحهما لا لأن الأصل البراءة والظاهر العود لو عاش فعلى هذا تجب الحكومة قال المتولي‏:‏ هذا على طريقة من يعتبر حال الجناية والألم ولو قلع رجل سن الصغير وجنى آخر على منبته جناية أبطلت النبات قال الإمام‏:‏ لا وجه لإيجاب الأرش على الثاني ولا عليهما أما الأول فيجوز أن يقال بوجوبه عليه ويجوز أن يقتصر على الحكومة ولو سقطت سنة بنفسها ثم جنى جان وأفسد المنبت فيجوز أن يقال بوجوب الأرش على الثاني لأنه أفسد المنبت ولم تسبقه جناية بحال عليها‏.‏

فرع لو قلع سن مثغور لو قلع سن مثغور فأخذ منه الأرش فعادت السن على الندور لم يسترد الأرش على الأظهر ولو التحمت الموضحة أو الجائفة بعد أخذ أرشها لم يسترد على الصحيح ولو جنى على يده فذهب بطشها أو على عينه فذهب بصرها فأخذنا ديتهما لظن زوال البطش والبصر ثم قويت اليد والعين فصار يبطش ويبصر استردت الدية قطعاً لأن الشلل والعمى المحققين لا يزولان وكذا الحكم في السمع وسائر المعاني‏.‏

فرع قلع سن صغير فطلع بعضها قلع سن صغير فطلع بعضها ومات الصغير قبل أن يتم نباتها فعليه من الدية نص الشافعي رحمه الله ولو قلعها قبل تمام الطلوع آخر فعن النص انتظار نباتها فإن لم تنبت فعليه حكومة هي أكثر القيد الرابع‏:‏ كونها ثابتة غير متقلقلة فإن كانت متحركة حركة يسيرة لا تنقص المنافع لم يؤثر تحركها في قصاص ولا دية وإن كان بها اضطراب شديد بهرم أو مرض ونحوهما نظر إن بطلت منفعتها ففيها الحكومة وإن نقصت فهل يجب الأرش أم الحكومة قولان أظهرهما‏:‏ الأرش وقال الإمام‏:‏ إن كان الغالب على الظن نباتها وجب الأرش قطعاً وإن كان الغالب على الظن سقوطها فهو موضع القولين ولو ضرب سن رجل فتزلزلت وتحركت نظر إن سقطت بعد ذلك لزمه الأرش وإن عادت كما كانت فلا أرش وفي وجوب الحكومة وجهان كما إذا لم يبق في الجراحة نقص ولا شين وإن بقيت كذلك ناقصة المنفعة فهل يجب الأرش أم الحكومة فيه القولان فإن قلعها آخر فعليه الأرش إن أوجبنا على الأول الحكومة والحكومة إن أوجبنا على الأول الأرش قال الشيخ أبو حامد‏:‏ إن قلنا‏:‏ تجب الحكومة فهي دون حكومة السن المتحركة بهرم ومرض لأن النقص الذي فيها قد غرمه الجاني الأول بخلاف الهرم وقطع المتولي بأنه ليس على الثاني إلا حكومة بخلاف ما لو كان الاضطراب بهرم ومرض لأن خلل الجناية يخالفهما ولهذا لو قتل مشرفاً على الموت في آخر رمق بالمرض وجب القصاص ولو كان في هذا الحال بجناية فلا قصاص ولو جنى على سن فاضطربت ونقصت منفعتها وقلنا‏:‏ الواجب عليه الحكومة فعاد وقلعها قبل أن يضمن الحكومة فعليه الأرش بكماله‏.‏

نظر إن كانت سوداء قبل أن يثغر وبعده لزمه كمال الأرش وإن كانت في الأصل بيضاء فلما ثغر نبتت سوداء أو نبتت بيضاء ثم اسودت فعن نص الشافعي رحمه الله أنه يراجع أهل الخبرة فإن قالوا‏:‏ لا يكون ذلك إلا لعلة حادثة ففي قلعها الحكومة وإن قالوا‏:‏ لم يحدث ذلك لعلة أو قالوا‏:‏ مثل هذا قد يكون لعلة ومرض وقد يكون لغيره وجب كمال الأرش والرد إلى الحكومة للمرض مع كمال المنفعة خلاف القياس وإن ضرب سناً فاسودت فهل يجب الأرش أم الحكومة نقل المزني اختلاف نص فيه فقيل‏:‏ قولان والمذهب وما قطع به الجمهور تنزيل النصين على حالين إن فاتت المنفعة مع الاسوداد وجب الأرش وإلا فالحكومة ولو اخضرت السن بجناية أو اصفرت وجبت الحكومة وحكومة الاخضرار أقل من الاسوداد وحكومة الاصفرار أقل من الاخضرار‏.‏

 فصل الأسنان في غالب الفطرة اثنتان وثلاثون

منها أربع ثنايا وهي الواقعة في مقدم الفم ثنتان من أعلى وأسفل يقال لها‏:‏ الرباعيات بفتح الراء وتخفيف الباء ثم أربع ضواحك ثم أربعة أنياب وأربعة نواجذ واثنا عشر ضرساً ويقال لها‏:‏ الطواحن ففي كل سن منها خمس من الإبل كما سبق ما لم يجاوز عشرين سناً فإن جاوزها فقولان أحدهما‏:‏ لا يجب إلا مائة من الإبل وأظهرهما وقطع به جماعة‏:‏ يجب لكل سن خمس فلو كانت اثنتين وثلاثين فقلعها وجب مائة وستون بعيراً وهذا الخلاف إذا اتحد الجاني والجناية فإن تعدد الجاني بأن قلع عشرين سناً وقلع غيره الباقي فعلى الأول مائة بعير وعلى الثاني ستون قطعا ًوإن اتحد الجاني وتعددت الجناية نظر إن تخلل الاندمال بأن قلع سناً وتركه حتى برأت اللثة وزال الألم ثم قلع أخرى وهكذا إلى استيعاب الأسنان لزمه لكل سن خمس قطعاً وإن لم يتخلل الاندمال فعلى القولين وقيل‏:‏ يتعدد قطعاً وصورة الجناية الواحدة أن يسقطها كلها بضربة أو يسقيه دواء يسقطها‏.‏

فرع قد تزيد الأسنان على اثنتين وثلاثين فإن زادت فهل يجب لكل سن خمس أم لا يجب في الزائد على ذلك إلا الحكومة كالأصبع الزائد وجهان‏.‏

العضو الثامن اللحيان وهما العظمان اللذان عليهما منبت الأسنان السفلى وملتقاهما الذقن وفيهما كمال الدية وفي أحدهما إن ثبت الآخر نصفها فلو كان على اللحيين أسنان كما هو الغالب فوجهان أحدهما‏:‏ لا يجب إلا دية اللحيين ويدخل فيها أروش الأسنان وأصحهما‏:‏ تجب دية اللحيين وأروش الأسنان‏.‏

وفيهما كمال الدية وفي إحداهما نصفها وتكمل الدية بلقط الأصابع ولو قطع من الكوع فالواجب ما يجب في الأصابع وتدخل حكومة الكف في ديتها ولو قطع من بعض الساعد أو المرفق أو المنكب وجبت حكومتها مع الدية بخلاف الكف لأن الكف مع الأصابع كالعضو الواحد وقال ابن حربويه من أصحابنا‏:‏ نهاية اليد التي يجب فيها الدية‏:‏ الإبط والمنكب ويجب فيما دون ذلك قسطه من الدية والصحيح الأول وبه قطع الجمهور وفي كل أصبع عشر من الإبل تستوي فيه جميع الأصابع وفي كل أنملة من الإبهام خمس من الإبل وفي كل أنملة من غيرها ثلاثة أبعرة وثلث ولو انقسمت أصبع بأربع أنامل متساوية ففي كل واحدة بعيران ونصف‏.‏

فرع ما ذكرناه من اندراج حكومة الكف تحت دية الأصابع هو فيما إذا قطع من الكوع وأبان الكف والأصابع بجناية واحدة فأما إذا قطع واحد الأصابع وآخر الكف أو قطع واحد الأصابع ثم الكف قبل الاندمال أو بعده فعلى ما ذكرناه في الأسنان‏.‏

فرع إذا كان على معصم إنسان كفان مع الأصابع أو على العضد ذرعان وكفان أو على المنكب عضدان وذراعان وكفان مع الأصابع نظر إن لم يبطش بواحد منهما فليس فيهما قصاص ولا دية وإنما يجب فيهما الحكومة كاليد الشلاء وإن كان فيهما بطش نظر إن كانت إحداهما أصلية والأخرى زائدة ففي الأصلية القصاص والدية وفي الزائدة الحكومة وطريق معرفة الزائدة أن ينظر فإن اختصت إحداًهما ببطش أو قوة بطش فهي الأصلية وسواء كانت الباطشة أو التي هي أقوى بطشاً على استواء الذراع أو منحرفة عنه فإن كانت إحداهما مستوية والأخرى منحرفة فالمستوية هي الأصلية وإن كانت إحداهما معتدلة الأصابع والأخرى زائدة فوجهان قال القاضي حسين‏:‏ المعتدلة هي الأصلية لأن الزيادة على الكمال نقصان وقال الأكثرون‏:‏ لا يؤثر ذلك في التمييز لأن اليد الأصلية كثيراً ما تشتمل على الأصبع الزائدة ولو كانت إحداهما ناقصة بأصبع ولكنها مستوية والأخرى كاملة الاصابع منحرفة فأيتهما الأصلية فيه احتمال للإمام وأما إذا لم تتميز الأصلية عن الزائدة بشيء فهما كيد واحدة فيجب في قطعهما القصاص أو كمال الدية ويجب مع القصاص أو الدية حكومة لزيادة الصورة وعن المزني أنه لا قصاص لنقصهما بتشوه الخلقة ولو قطعت أحدهما لم يجب القصاص ويجب فيها نصف دية وزيادة حكومة وقيل‏:‏ لا تجب الحكومة وهو غريب والصحيح الأول فعلى هذا في الأصبع منها نصف دية اصبع وحكومة وفي الأنملة نصف دية أنملة وحكومة ولو عاد الجاني بعد أخذ الأرش والحكومة منه فقطع اليد الأخرى وأراد المجني عليه القصاص ورد ما أخذه غير قدر الحكومة هل له ذلك وجهان أحدهما‏:‏ لا لأنه أسقط بعض القصاص فلا عود إليه والثاني‏:‏ نعم لأن القصاص لم يكن ممكناً وإنما أخذ الأرش لتعذره لا لإسقاطه‏.‏

فرع لو قطع صاحب اليدين الباطشتين يد معتدل لم تقطع يداه للزيادة وللمجني عليه أن يقطع أحدهما ويأخذ نصف دية اليد ناقصاً بشيء فلو بادر وقطعهما عزر وأخذت منه حكومة للزيادة وإن كانت إحدى يدي القاطع زائدة وأمكن إفراد الأصلية بالقطع قطعت ولم يلزم شيء آخر وإن علم أن أحدهما زائدة ولم تعلم عينها لم تقطع واحدة منهما‏.‏

فرع كانت إحدى يمينيه باطشة دون الأخرى فقطعت الباطشة فاستوفى ديتها فصارت الأخرى أصلية حتى لو قطعها قاطع لزمه القصاص أو كمال الدية وهل يسترد القاطع أولاً الأرش ويرد إلى مقدار الحكومة وجهان أصحهما لا فلا يغير ما مضى وهذه نعمة من الله تعالى ولو كانتا باطشتين على السواء فغرمنا قاطع أحدهما نصف دية اليد وزيادة حكومة فازدادت قوة الباقية واشتد بطشها فهل يسترد من أرش الأولى ما يرده إلى قدر الحكومة فيه الوجهان وإن ضعفت الثانية لما قطعت الأولى وبطل بطشها عرفنا أن الأصلية هي المقطوعة فعلى قاطعها القصاص أو كمال الدية قال ابن كج ويحتمل أن لا قصاص‏.‏

العضو العاشر الرجلان ففيهما كمال الدية وفي أحدهما نصفها ورجل الأعرج كرجل الصحيح لأنه لا خلل في العضو ولو قطع رجلاً تعطل مشيها بكسر الفقار فوجهان أحدهما‏:‏ الواجب الحكومة كاليد الشلاء وأصحهما‏:‏ الدية لأن الرجل صحيحة والخلل في غيرها وتكمل دية الرجلين بالتقاط أصابعهما والقدم كالكف والساق كالساعد والفخذ كالعضد وأنامل أصابع الرجل كأنامل أصابع اليد وقدمان على ساق وساقان على ركبة ككفين على معصم وساعدين على عضد وقد سبق بيان الجميع وكذا يقاس بما تقدم حكم الرجل الشلاء وحصول الشلل بالجناية عليها‏.‏

العضو الحادي عشر حلمتا المرأة وفيهما كمال ديتها وفي أحدهما نصفها والحلمة‏:‏ المجتمع نابتاً على رأس الثدي قال الإمام‏:‏ ولون الحلمة يخالف لون الثدي غالباً وحواليها دارة على لونها وهي من الثدي لا من الحلمة ولو قطع الثدي مع الحلمة لم يجب إلا الدية وتدخل فيها حكومة الثدي وفيه وجه قدمناه وعن الماسرجسي نقله قولاً ولو قطع مع الثدي جلدة الصدر وجبت حكومة الجلدة مع الدية قطعاً وإن وصلت الجراحة إلى الباطن وجب مع دية الحلمة أرش الجائفة وهل يجب في قطع حلمة الرجل دية أم حكومة قولان أظهرهما‏:‏ حكومة وقيل‏:‏ حكومة قطعاً ولو قطع مع حلمة الرجل الثندوة أفردت الثندوة بحكومة على المذهب وقيل‏:‏ إذا أوجبنا في حلمته دية دخلت فيها حكومة الثندوة والثندوة‏:‏ لحمة تحت الحلمة إذا لم يكن الرجل مهزولاً‏.‏

فرع تقطع حلمة المرأة بحلمة المرأة تقطع حلمة المرأة بحلمة المرأة وفي التتمة وجه أنه إذا لم يتدل الثدي فلا قصاص لاتصالها بلحم الصدر وتعذر التمييز والصحيح الأول قال البغوي‏:‏ ولا قصاص في الثدي لأنه لا يمكن المماثلة وللمجني عليها أن تقتص في الحلمة وتأخذ حكومة الثدي ولك أن تقول‏:‏ المماثلة ممكنة فإن الثدي هذا الشاخص وهو أقرب إلى الضبط من الشفتين والأليتين ونحوهما وتقطع حلمة الرجل بحلمة الرجل إن أوجبنا فيها الحكومة أو الدية وتقطع حلمة الرجل بحلمة المرأة وبالعكس إن أوجبنا في حلمة الرجل الدية فإن أوجبنا الحكومة لم تقطع حلمتها بحلمته وإن رضيت كما لا تقطع صحيحة بشلاء وتقطع حلمته بحلمتها إن رضيت كما تقطع الشلاء بالصحيحة إذا رضي المستحق‏.‏

هل يستدل بنهود الثدي وتدليها على أنوثة الخنثى وجهان سبقا في الطهارة قال أبو علي الطبري‏:‏ نعم والجمهور‏:‏ لا فإن قطعا فعلى قول الطبري‏:‏ تجب دية امرأة وعلى قول الجمهور‏:‏ إن قلنا‏:‏ في حلمة الرجل الدية وجب هنا دية امرأة أخذاً باليقين وإن قلنا‏:‏ الحكومة وجب هنا حكومة‏.‏

فرع ضرب ثدي المرأة فشل فعليه الدية ولو كانت ناهداً فاسترسل ثديها لم تجب إلا الحكومة لأن الفائت مجرد الجمال ولو استرسل بالضرب ثدي الخنثى ولم يجعل الثدي أمارة الأنوثة فلا حكومة في الحال لجواز كونه رجلاً فلا يلحقه نقص بالاسترسال ولا يفوت جماله فإن بانت امرأة وجبت الحكومة‏.‏

العضو الثاني عشر الذكر وفيه كمال الدية سواء ذكر الشيخ والشاب والصغير والعنين والخصي وغيرهم وفي الأشل حكومة ولو ضرب ذكراً فشل فعليه كمال الدية ولو خرج عن أن يمكن به الجماع من غير شلل ولا تعذر انقباض وانبساط فعليه الحكومة لأن العضو ومنفعته باقيان والخلل في غيرهما فلو قطعه قاطع بعد ذلك فعليه القصاص أو الدية هكذا ذكره ابن الصباغ والبغوي وغيرهما وفيه نظر وتكمل الدية بقطع الحشفة وفي بعض الحشفة قسطه من الدية وهل يكون التقسيط على الحشفة فقط أم على جملة الذكر فيه خلاف سبق في فصل الأسنان والمذهب أولهما قال المتولي‏:‏ هذا إذا لم يختل مجرى البول بأن قطع بعض الذكر طولاً فإن اختل فعليه أكثر الأمرين من قسطه من الدية وحكومة فساد المجرى قال‏:‏ ولو قطع جزءاً من الذكر مما تحت الحشفة فإن انتهت الجراحة إلى مجرى البول فقد سبق خلاف في كونها جائفة وإن لم ينته فإن قلنا‏:‏ في قطع بعض الحشفة يقسط على الحشفة فقط فعليه هنا حكومة وإن قسطنا على الذكر فعليه قسط المقطوع من الدية وإن لم يبن شيئاً من الذكر لكن شقه طولاً وزالت منفعته بذلك وجبت الدية كالشلل وتجب في بقية الذكر وحدها الحكومة وإذا استأصل الذكر وجبت الدية بلا حكومة على المذهب وقيل‏:‏ تجب مع الدية حكومة‏.‏

العضو الثالث عشر الأنثيان وفيهما كمال الدية وفي أحدهما نصفها‏.‏

العضو الرابع عشر الأليان وفيهما كمال الدية وفي أحدهما نصفها والألية الناتىء المشرف على استواء الظهر والفخذ ولا يشترط في وجوب الدية قرع العظم واتصال الحديدة إليه ولو قطع بعض إحدهما‏:‏ وجب قسط المقطوع إن عرف قدره وضبطه وإلا فالحكومة وسواء في هذا العضو الرجل والمرأة ولا نظر إلى اختلاف القدر الناتىء واختلاف الناس فيه كاختلافهم في سائر الأعضاء‏.‏

ولو قطع أليته فنبتت والتحم الموضع قال البغوي‏:‏ لا تسقط الدية على المذهب‏.‏

العضو الخامس عشر الشفران للمرأة هما اللحمان المشرفان على المنفذ وفيهما كمال الدية وفي أحدهما نصفها سواء فيه السمينة والمهزولة والبكر والثيب والرتقاء والقرناء إذ لا خلل في نفس شفرهما وسواء المختونة وغيرها ولو ضرب شفريها فشلا وجب كمال الدية ولو قطع مع الشفرين الركب بفتح الراء والكاف وهو عانة المرأة وجب حكومة مع الدية وكذا لو قطع شيئاً من عانة الرجل مع الذكر ولو قطع شفري بكر وأزال بالجناية بكارتها وجب مع دية الشفرين أرش البكارة ولو قطع شفريها فجرح موضعهما آخر بقطع لحم وغيره لزم الثاني حكومة‏.‏

العضو السادس عشر الجلد فإذا سلخ جلده وجب كمال الدية قال الأئمة‏:‏ وسلخ جميعه قاتل لكن قد يفرض حياة مستقرة بعد فتظهر فائدة إيجاب الدية فيه لو حز غيره رقبته وحكى الإمام عن الشيخ أبي علي أنه لو قطعت يداه بعد سلخ الجلد توزع مساحة الجلد على جميع البدن فما يخص اليدين يحط من دية اليدين ويجب الباقي وعلى هذا القياس لو قطع يد رجل ثم جاء آخر فسلخ جلده لزم السالخ دية الجلد إلا قسط اليدين‏.‏

 فصل الترقوة

هي العظم المتصل بين المنكب وتغرة النحر ولكل شخص ترقوتان فالمشهور من نصوص الشافعي رحمه الله في الأم وغيره أن في الترقوتين حكومة ونص في اختلاف الحديث وغيره أن فيه جملاً فقيل‏:‏ قولان القديم جمل والجديد حكومة وقطع الجمهور بالحكومة وهو المذهب كالضلع وسائر العظام‏.‏

القسم الثالث إزالة المنافع وهي ثلاثة عشر شيئاً‏.‏

الأول العقل فتجب بإزالته كمال الدية ولا يجب فيه قصاص لعدم الإمكان ولو نقص عقله ولم تستقم أحواله نظر إن أمكن الضبط وجب قسط الزائل والضبط قد يتأتى بالزمان بأن يجن يوماً ويفيق يوماً فتجب نصف الدية أو يوماً ويفيق يومين فيجب الثلث وقد يتأتى بغير الزمان بأن يقابل صواب قوله ومنظوم فعله بالخطأ المطروح منهما وتعرف النسبة بينهما فيجب قسط الزائل وإن لم يمكن الضبط بأن كان يفزع أحياناً مما يفزع أو يستوحش إذا خلا وجبت حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده وذكر المتولي أن الدية إنما تجب عند تحقق الزوال بأن يقول أهل الخبرة لا يزول العارض الحادث أما إذا توقعوا زواله فيتوقف في الدية فإن مات قبل الاستقامة ففي الدية وجهان كما لو قلع سن مثغور فمات قبل عودها‏.‏

فرع ينظر في الجناية التي ذهب بها العقل فإن لم يكن لها أرشب أن ضرب رأسه أو لطمه فذهب عقله وجبت دية العقل وإن كان لها أرش مقدر كالموضحة واليد والرجل أو غير مقدر كالجراحة الموجبة للحكومة فقولان القديم أنه يدخل الأقل في الأكثر فإن كانت دية العقل أكثر بأن أوضحه فزال عقله دخل فيها أرش الموضحة وإن كان أرش الجناية أكثر بأن قطع يديه ورجليه أو يديه مع بعض الذراع فزال عقله دخل فيه دية العقل والجديد الأظهر لا تداخل بل يجب دية العقل وأرش الجناية فعلى هذا لو قطع يديه ورجليه فزال عقله وجب ثلاث ديات وعلى القديم تجب ديتان وقيل إن كان أرش الجناية بقدر الدية أو أكثر وجب دية العقل معها قطعاً وإلا فعلى فرع أنكر الجاني زوال العقل أنكر الجاني زوال العقل ونسبه إلى التجانن راقبناه في الخلوات والغفلات فإن لم تنتظم أفعاله وأقواله أوجبنا الدية ولا نحلفه لأنه يتجانن في الجواب ولأن يمينه تثبت جنونه والمجنون لا يحلف وإن وجدناها منظومة صدق الجاني بيمينه وإنما حلفناه لاحتمال صدورها منه اتفاقاً وجرياً على العادة‏.‏

الثاني السمع وفي إبطاله كمال الدية ولو أبطله من إحدى الأذنين وجب نصف الدية على الصحيح وبه قطع الجمهور وقيل‏:‏ يجب بقسط ما نقص من السمع من الدية ولو قطع الأذن وبطل السمع وجب ديتان لأن السمع ليس في الأذن ولو جنى عليه فصار لا يسمع في الحال لكن قال أهل الخبرة‏:‏ يتوقع عوده نظر إن قدروا مدة انتظرناها فإن لم يعد أخذت الدية واستثنى الإمام ما إذا قدروا مدة يغلب على الظن انقراض العمر قبل فراغها وقال‏:‏ الوجه أن تؤخذ الدية ولا ينتظر هذه المدة وإن لم يقدروا مدة أخذت الدية في الحال فإن عاد ردت لأنه بان أنه لم يزل وإن قال أهل الخبرة‏:‏ لطيفة السمع باقية في مقرها ولكن ارتتق داخل الأذن بالجناية وامتنع نفوذ الصوت ولم يتوقعوا زوال الارتتاق فالواجب الحكومة على الأصح وقيل‏:‏ الدية ويجري الوجهان فيما لو أذهب سمع صبي فتعطل لذلك نطقه فإن الطفل يتدرج إلى النطق تلقيا مما يسمع أنه هل تجب دية للنطق مضمومة إلى دية السمع فرع أنكر الجاني زوال السمع أنكر الجاني زوال السمع امتحن المجني عليه بأن يصاح به في نومه وحال غفلته صياحا منكراً وبأن يتأمل حاله عند صوت الرعد الشديد فإن ظهر منه انزعاج واضطراب علمنا كذبه ومع ذلك يحلف الجاني لاحتمال أن الانزعاج بسبب آخر اتفاقي وإن لم يظهر عليه أثر علمنا صدقه ومع ذلك يحلف لاحتمال أنه يتجلد وإن ادعى ذهاب سمع إحدى الأذنين حشيت السليمة وامتحن في الأخرى على ما ذكرناه‏.‏

فرع نقص سمعه من الأذنين نظر إن عرف قدر ما نقص بأن علم أنه كان يسمع من موضع فصار يسمع من دونه ضبط ما نقص ووجب قسطه من الدية وإن لم يعلم ولكن نقص سمعه وثقلت أذنه قال الأكثرون‏:‏ تجب فيه حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده وذكر الإمام وغيره أنه يقدر بالاعتبار بسليم السمع في مثل سنه وصحته بأن يجلس بجنب المجني عليه ويؤمر من يرفع صوته ويناديهما من مسافة بعيدة لا يسمعه واحد منهما ثم يقرب المنادي شيئاً فشيئاً إلى أن يقول السليم‏:‏ سمعت فيعرف الموضع ثم يديم المنادي ذلك الحد من رفع الصوت ويقرب إلى أن يقول المجني عليه‏:‏ سمعت فيضبط ما بينهما من التفاوت وإن نقص سمعه من إحدى الأذنين صممت العليلة وضبط منتهى سماع الصحيحة ثم تصمم الصحيحة ويضبط منتهى سماع العليلة ويجب من الدية بقسط التفاوت وإن كذبه الجاني في دعوى انتقاص السمع فالمصدق المجني عليه بيمينه سواء ادعى نقصه من الأذنين أو أحدهما لأنه لاي يعرف إلا من جهته‏.‏

الثالث البصر ففي إذهابه من العينين كمال الدية ومن أحدهما نصفها سواء ضعيف البصر بالعمش وغيره والأحول والأخفش وغيرهم ولو فقأ عينيه لم تجب إلا دية كقطع يديه بخلاف ما لو قطع أذنيه وذهب سمعه لما سبق أنه ليس السمع في الأذنين ولو قال عدلان‏:‏ إن البصر يعود فرق بين أن يقدروا مدة أو لا يقدروا ويكون حكمه ما سبق في الأذنين ولو مات المجني عليه قبل مضي تلك المدة فلا قصاص للشبهة وفي الدية طريقان أحدهما‏:‏ على الوجهين فيمن قلع سن غير مثغور ومات قبل أوان النبات والمذهب القطع بوجوبها لأن الظاهر في السن العود لو عاش بخلاف فرع ادعى المجني عليه زوال البصر ادعى المجني عليه زوال البصر وأنكر الجاني فوجهان أحدهما وهو نصه في الأم‏:‏ يراجع أهل الخبرة فإنهم إذا وقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس ونظروا في عينيه عرفوا أن الضوء ذاهب أم موجود بخلاف السمع لا يراجعون فيه إذ لا طريق لهم إليه والثاني‏:‏ يمتحن بتقريب حية أو عقرب منه أو حديدة من حدقته مغافصة فإن انزعج فالقول قول الجاني بيمينه وإلا فقول المجني عليه بيمينه قال المتولي‏:‏ الأمر إلى خبرة الحاكم إن أراد مراجعتهم فعل وإن أراد امتحانه فعل وإذا روجع أهل الخبرة فشهدوا بذهاب البصر فلا حاجة إلى التحليف وتؤخذ الدية بخلاف الامتحان فإنه لا بد من التحليف بعده ولا يقبل في ذهاب البصر إن كانت الجناية عمداً إلا شهادة رجلين وإن كانت خطأ قبل رجل وامرأتان وإذا ادعى ذهاب بصر إحدى العينين روجع أهل الخبرة أو امتحن كما ذكرنا في العينين‏.‏

فرع إذا نقص ضوء العينين ولم يذهب فإن عرف قدره بأن كان يرى الشخص من مسافة فصار لا يراه إلا من بعضها وجب من الدية قسط الذاهب وإن لم يعرف فعلى الخلاف في السمع قال الأكثرون‏:‏ تجب حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده ولا يعتبر تغيره لاختلاف الناس في الإدراك‏.‏

عن الماسرجسي قال‏:‏ رأيت صياداً يرى الصيد على فرسخين‏.‏

وإن نقص ضوء إحدى العينين عصبت العليلة وأطلقت الصحيحة ووقف شخص في موضع يراه ويؤمر أن يتباعد حتى يقول‏:‏ لا أراه فتعرف المسافة ثم تعصب الصحيحة وتطلق العليلة ويؤمر الشخص بأن يقرب راجعاً إلى أن يراه فيضبط ما بين المسافتين ويجب قسطه من الدية ثم إنه متهم في هذا الضبط بالزيادة في الصحيحة وبالنقص في العليلة فلا يؤمن كذبه فيمتحن في قوله أبصر في الصحيحة بأن تغير ثياب الشخص الذي يبعد ويقرب ويسأل عنها فينظر أيصيب أم لا وأما في العليلة فقيل‏:‏ يحلف أنه لا يبصر فوق ذلك وقال الأكثرون‏:‏ يمتحن بأن تضبط تلك الغاية ويؤمر الشخص بأن ينتقل إلى سائر الجهات والمجني عليه بأن يدور فإن توافقت الغاية من الجهات صدقناه وإلا كذبناه ويجري مثل هذا الامتحان في نقصان سمع إحدى الأذنين فيمتحن في قوله‏:‏ أسمع بالصحيحة بأن يغير المنادي نداءه وكلامه وينظر هل يقف عليه المجني عليه وفي قوله‏:‏ لا أسمع بالعليلة بأن ينتقل المنادي إلى سائر الجهات وإذا عرف تفاوت مسافتي الإبصار فالواجب القسط فإن أبصر بالصحيحة من مائتي ذراع وبالعليلة من مائة ذراع فموجبه التنصيف لكن لو قال أهل الخبرة‏:‏ إن المائة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه المائة الأولى لقرب الأولى وبعد الثانية وجب ثلثا دية العليلة قال الشافعي رحمه الله‏:‏ وما أرى ذلك يضبط‏.‏

الأعشى الذي يبصر بالنهار دون الليل فيه كمال الدية وفي التهذيب أنه لو جنى عليه فصار أعشى لزمه نصف الدية ولو عشيت إحدى عينيه بالجناية لزمه ربع الدية ومقتضى هذا إيجاب نصف الدية إذا جنى على الأعشى فأذهب بصره وكذا من يبصر بالليل دون النهار‏.‏

فرع شخصت عينه بجناية شخصت عينه بجناية أو صار أعمش أو أحول وجبت حكومة‏.‏

فرع ذهب ضوء عينه بجناية ذهب ضوء عينه بجناية وقلع آخر الحدقة فقال قلعت قبل عود الضوء وقال الأول‏:‏ بل بعده صدق الثاني فلو صدق المجني عليه الأول برىء الأول ويحلف الثاني وعليه حكومة‏.‏

الرابع الشم وفي إزالته بالجناية على الرأس وغيره كمال الدية على الصحيح المشهور وحكي وجه وقول أن واجبه الحكومة وهو ضعيف فلو أذهب شم أحد المنخرين فنصف الدية ولو سد المنفذ فلم يدرك الروائح وقال أهل الخبرة‏:‏ القوة باقية‏:‏ فليكن كما سبق في السمع وإذا أنكر الجاني ذهاب الشم امتحن المجني عليه بتقريب ماله رائحة حادة منه طيبة وخبيثة فإن هش للطيبة وعبس للمنتن صدق الجاني بيمينه وإن لم يظهر عليه أثر صدق المجني عليه بيمينه وإن نقص الشم نظر إن علم قدر الذاهب وجب قسطه من الدية وإن لم يعلم وجبت حكومة يقدرها الحاكم بالاجتهاد ولم يذكروا هنا الامتحان بمن هو في مثل شمه ولا يبعد طرده هنا وإن نقص شم أحد المنخرين فيمكن أن يعتبر بالجانب الآخر ولم يذكروه ولعلهم اكتفوا بالمذكور في السمع والبصر وإذا ادعى النقص وأنكر الجاني صدق المجني عليه بيمينه لأنه لا يعرف إلا منه‏.‏

قال الإمام‏:‏ وينبغي أن يعين المجني عليه قدراً يطالب به وإلا فهو مدع مجهولاً وطريقه في نفسه أن يطلب الأقل المتيقن ولو أخذ دية الشم وعاد وجب ردها ولو وضع يده على أنفه عند رائحة منكرة فقال الجاني‏:‏ فعلت ذلك لعود شمك وأنكر المجني عليه صدق المجني عليه بيمينه لأنه قد يفعله اتفاقاً ولا متخاط وبفكر ورعاف وغيرها‏.‏

الخامس النطق فإذا جنى على لسانه فأبطل كلامه وجب كمال الدية وإنما تؤخذ الدية إذا قال أهل الخبرة‏:‏ لا يعود نطقه فإن أخذت فعاد استردت ولو ادعى ذهاب النطق وأنكر الجاني قال المتولي‏:‏ يفزع في أوقات الخلوة وينظر هل يصدر منه ما يعرف به كذبه فإن لم يظهر شيء حلف كما يحلف الأخرس ووجبت الدية ولو بطل بالجناية بعض الحروف وزعت الدية عليها سواء ما خف منها على اللسان وما ثقل والحروف مختلفة في اللغات فكل من تكلم بلغة فالنظر عند التوزيع إلى حروف تلك اللغة فلو تكلم بلغتين فبطل بالجناية حروف من هذه وحروف من تلك فهل توزع على أكثرهما حروفاً أم على أقلهما وجهان ثم في الحروف الموزع عليها وجهان أصحهما وبه قال الأكثرون وهو ظاهر النص‏:‏ أن التوزيع يكون على جميعها وهي ثمانية وعشرون حرفا في اللغة العربية فإن ذهب نصفها وجب نصف الدية وإن ذهب حرف فأكثر وجب لكل حرف سبع ربع الدية والثاني قاله الإصطخري‏:‏ لا يدخل في التوزيع الحروف الشفهية وهي الباء والفاء والميم والواو ولا الحلقية وهي الهاء والهمزة والعين والحاء والغين والخاء وإنما التوزيع على الحروف الخارجة من اللسان وهي ما عدا المذكورات هذا إذا ذهب بعض الحروف وبقي في البقية كلام مفهوم فأما إذا لم يبق في البقية كلام مفهوم فوجهان أحدهما‏:‏ يجب كمال الدية قاله أبو إسحاق والقفال وجزم به البغوي وذكر الروياني أنه المذهب والثاني‏:‏ لا يلزمه إلا قسط الحروف الفائتة قال المتولي‏:‏ وهو المشهور ونصه في الأم‏:‏ ولو ضرب شفتيه فأذهب الحروف الشفهية أو رقبته فأذهب الحروف الحلقية قال المتولي‏:‏ إن قلنا بقول الإصطخري وجبت الحكومة فقط وإن قلنا بقول الأكثرين وجب قسط الذاهب من جميع الحروف وذكر ابن كج أنه لو قطع شفتيه فأذهب الباء والميم فقال الإصطخري‏:‏ يجب مع دية الشفتين أرش الحرفين وقال ابن الوكيل‏:‏ لا يجب غير فرع جنى على لسانه فصار يبدل حرفاً بحرف وجب قسط الحرف الذي أبطله ولو ثقل لسانه بالجناية أو حدثت في كلامه عجلة أو تمتمة أو فأفأة أو كان ألثغ فزادت لثغته فالواجب الحكومة لبقاء المنفعة‏.‏

فرع من لا يحسن بعض الحروف من لا يحسن بعض الحروف كالأرت والألثغ الذي لا يتكلم إلا بعشرين حرفا مثلا إذا أذهب كلامه وجهان أصحهما يجب كمال الدية فعلى هذا لو أذهب بعض الحروف وزع على ما يحسنه لا على الجميع والثاني‏:‏ لا يجب إلا قسطها من جميع الحروف وفي بعضها بقسطه من الجميع فعلى هذا لو كان يقدر على التعبير عن جميع مقاصده لفطنته واستمداًده من اللغة لم تكمل الدية أيضاً على الأصح لأن قدرته لحذقه لا بالكلام هذا إذا كان نقص حروفه خلقة أو حدث بآفة سماوية فلو حدث بجناية فالمذهب أنه لا تكمل الدية لئلا يتضاعف الغرم في القدر الذي أبطله الجاني الأول‏.‏

فرع في الجناية على محل ناقص المنفعة أو الجرم أما المنافع التي لا تتقدر تقدر النطق بالحروف كالبطش والبصر فإن كان النقص فيها بآفة فلا اعتبار به ويجب على من أبطلها الدية الكاملة وكذا من قطع العضو الذي هو محل تلك المنفعة لأنه لا ينضبط ضعفها وقوتها وإن كان النقص بجناية فأوجه أصحها‏:‏ لا تكمل الدية بل يحط منها قدر الحكومة التي غرمها الأول عن مبطل المنفعة الناقصة لتجانس جنايته وجناية الأول وأما الاجرام فإن كان لما نقص أرش مقدر لزم الثاني دية يحط منها أرش ما نقص سواء حصل النقص بآفة أم بجناية فلو سقطت أصبعه أو أنملته بآفة ثم قطعت يده حط من دية اليد أرش الأصبع أو الأنملة ولو جرح رأسه متلاحمة فجعلها آخر موضحة لزم الثاني أرش موضحة يحط منه واجب المتلاحمة سواء قدرنا واجبها أم أوجبنا فيها الحكومة ولو التأمت المتلاحمة واكتسى موضعها بالجلد لكن بقي غائرا فأوضح فيه آخر فالصحيح أن حكم ذلك الجرح قد سقط وعلى من أوضح أرش كامل أما إذا لم يكن لما نقص أرش مقدر كفلقة تنفصل من لحم الأنملة فإن لم تؤثر في المنفعة لم تنقص به الدية وإن وجب فيه حكومة للشين وسواء حصل ذلك بآفة أم بجناية وإن أثر في المنفعة فإن حصل بآفة لم تنقص الدية وإن حصل بجناية ففيه احتمالان للإمام أقربهما‏:‏ يحط عن الثاني قدر حكومة الأول‏.‏

نزل العلماء النطق في اللسان منزلة البطش في اليد والرجل فقالوا‏:‏ إذا استأصل لسانه بالقطع وأبطل كلامه لم يلزمه إلا دية واحدة ولو قطع عذبة اللسان وبطل الكلام فكذلك كما لو قطع أصبعاً من اليد فشلت ولو قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام نظر إن تساوت نسبة جرم اللسان والكلام بأن قطع نصف لسانه فذهب نصف كلامه وجب نصف الدية وإن اختلفت بأن قطع الربع فذهب نصف الكلام أو عكسه وجب نصف الدية قطعاً واختلفوا في علته فقال الجمهور‏:‏ اللسان مضمون بالدية ومنفعته أيضاً كذلك فوجب أكثرهما وقال أبو إسحاق‏:‏ الاعتبار بالجرم لأنه الأصل وفيه تقع الجناية قال‏:‏ وإنما وجب نصف الدية في قطع ربعه إذا ذهب نصف الكلام لأنه قطع ربعاً وأشل ربعا وتظهر فائدة الخلاف في صور إحدها‏:‏ قطع نصفه فذهب ربع الكلام واستأصل آخر الباقي فعلى قول الأكثرين يلزم الثاني ثلاثة أرباع الدية وعلى قول أبي إسحاق نصفها الثانية‏:‏ قطع ربعه فذهب نصف الكلام واستأصله آخر فعند الأكثرين يلزم الثاني ثلاثة أرباع الدية وعند أبي إسحاق نصف الدية وحكومة لأنه قطع نصفاً صحيحاً وربعا أشل الثالثة‏:‏ ذهب نصف الكلام بجناية على اللسان من غير قطع منه ثم قطعه آخر فيلزم الثاني عند الأكثرين دية كاملة وعنده نصفها وحكومة لأن نصف اللسان صحيح ونصفه أشل لذهاب نصف الكلام‏.‏

رجلان قطع من أحدهما نصف لسانه وذهب ربع كلامه ومن الآخر لسانه وذهب نصف كلامه فقطع الأول النصف الباقي من الثاني لا يقتص منه وإن أجرينا القصاص في بعض اللسان لنقص المجني عليه‏.‏

فرع قطع نصف لسانه فذهب نصف كلامه فاقتص من الجاني فلم يذهب إلا ربع كلامه فللمجني عليه ربع الدية ليتم حقه وإن ذهب من المقتص منه ثلاثة أرباع كلامه فلا شيء على المجني عليه لأن سراية القود مهدرة‏.‏

فرع عود الكلام بعد أخذ الدية كعود السمع‏.‏

فرع من لا يتكلم بحرف إذا ضرب لسانه فنطق بذلك الحرف وفات حرف آخر يجب قسط الفائت ولا ينجبر وهل يوزع على الحروف وفيها الحرف المستفاد أم عليها قبل الجناية قال الإمام‏:‏ هذا موضع نظر ولك أن تقول‏:‏ ليبن على الخلاف فيمن يحسن بعض الحروف وله كلام مفهوم إذا أبطل بالجناية بعض ما يحسنه هل التوزيع على ما يحسنه أم على الجميع فإن قلنا بالثاني دخل المستفاد وإلا فلا‏.‏

فرع في لسانه عجلة واضطراب فضرب فاستقام فلا شيء على الضارب‏.‏

فرع قطع بعض لسانه قطع بعض لسانه ولم يبطل به شيء من كلامه هل تجب الحكومة أم قسط المقطوع من الدية وجهان أصحهما‏:‏ الحكومة القسط للزم إيجاب الدية الكاملة في لسان الأخرس‏.‏

السادس الصوت فإذا جنى على شخص فأبطل صوته وبقي اللسان على اعتداله ويمكنه من التقطيع والترديد لزمه لإبطال الصوت كمال الدية فإن أبطل معه حركة اللسان حتى عجز عن التقطيع والترديد فوجهان أرجحهما‏:‏ يجب ديتان لأنهما منفعتان في كل واحدة إذا أفردت كمال الدية والثاني‏:‏ يجب دية فقط فإن قلنا ديتان وكانت حركة اللسان باقية فقد تعطل النطق بسبب فوات الصوت فيجيء الخلاف السابق في أن تعطل المنفعة هل هو كزوالها فإن قلنا‏:‏ نعم وجب ديتان وإلا السابع الذوق وفي إبطاله كمال الدية وقد يبطل بجناية على اللسان أو الرقبة أو غيرهما والمدرك بالذوق خمسة أشياء‏:‏ الحلاوة والحموضة والمرارة والملوحة والعذوبة والدية تتوزع عليها فإذا أبطل إدراك واحد وجب خمس الدية ولو نقص الإحساس فلم يدرك الطعوم على كمالها فالواجب الحكومة وإذا اختلفا في ذهاب الذوق جرب بالأشياء المرة أو الحامضة الحادة فإن ظهر منه تعبس وكراهة صدقنا الجاني بيمينه وإلا فالمجني عليه ولو ضربه ضربة زال بها ذوقه ونطقه وجب ديتان‏.‏

الثامن المضغ وفي إبطاله كمال الدية ولإبطاله طريقان أحدهما أن يصلب مغرس اللحيين حتى تمتنع حركتهما مجيئاً وذهاباً والثاني‏:‏ أن يجني على الأسنان فيصيبهما خدر وتبطل صلاحيتهما للمضغ‏.‏

التاسع والعاشر والحادي عشر الإمناء والإحبال والجماع فإذا كسر صلبه فأبطل قوة إمنائه وجب كمال الدية ولو قطع انثييه فذهب ماؤه لزمه ديتان وكذا لو أبطل من المرأة قوة الإحبال لزمه ديتها ولو جنى على ثديها فانقطع لبنها لزمه حكومة فإن نقص وجبت حكومة تليق به وإن لم يكن لها لبن عند الجناية ثم ولدت ولم يدر لها لبن وامتنع به الإرضاع وجبت حكومة إذا قال أهل الخبرة‏:‏ إن الانقطاع بجنايته أو جوزوا أن يكون هو سببها وللإمام احتمال أنه تجب الدية بإبطال الإرضاع ولو جنى على صلبه فذهب جماعه وجبت الدية لأن المجامعة من المنافع المقصودة ولو ادعى ذهابه فأنكر الجاني صدق المجني عليه بيمينه لأنه لا يعرف إلا منه ثم إنهم صوروا ذهاب الجماع فيما إذا لم ينقطع ماؤه وبقي ذكره سليماً وذكروا أنه لو كسر صلبه وأشل ذكره فعليه دية الذكر وحكومة لكسر الصلب وإذا كان الذكر سليماً كان الشخص قادراً على الجماع حساً فأشعر ذلك بأنهم أرادوا بذهاب الجماع بطلان الالتذاذ به والرغبة فيه ولذلك صور الإمام والغزالي المسألة في إبطال شهوة الجماع مع أن الإمام استبعد ذهاب الشهوة مع بقاء المني‏.‏

فرع لو جنى على عنقه فلم يمكنه ابتلاع الطعام إلا بمشقة لالتواء العنق أو غيره لزمه حكومة فلو لم ينفذ الطعام والشراب أصلاً لانسداد المنفذ فلا يعيش المجني عليه والحالة هذه ولم تزد طائفة من الأصحاب على أنه إن ساغ الطعام والشراب فحكومة وإن مات فالدية ونقل الإمام والغزالي أن نفس الجناية المفضية إلى الانسداد توجب الدية حتى لو حز غيره رقبته وفيه حياًة مستقرة لزم الأول دية ولو مات بامتناع نفوذ الطعام والشراب قال الإمام‏:‏ إن قلنا‏:‏ من قطع يدي رجل ورجليه ثم حز رقبته تلزمه دية فقط فكذا هنا وإن قلنا‏:‏ هناك ديتان فيحتمل هنا دية ويحتمل الثاني عشر إفضاء المرأة وفيه كمال دية وهو رفع الحاجز بين مسلك الجماع والدبر على الأصح وقيل‏:‏ رفع الحاجز بين مسلك الجماع ومخرج البول قال المتولي‏:‏ الصحيح أن كل واحد منهما إفضاء موجب للدية لأن الاستمتاع يختل بكل واحد منهما ولأن كل واحد منهما يمنع إمساك الخارج من أحد السبيلين فعلى هذا لو أزال الحاجزين لزمه ديتان وتختلف الدية الواجبة بالإفضاء خفة وغلظا باختلاف حال الإفضاء فقد يكون عمداً محضا بأن تكون المرأة ضعيفة أو نحيفة والغالب إفضاء وطئها إلى الإفضاء وقد يكون عمد خطأ بأن لا يتضمن وطؤها الإفضاء غالباً وقد يكون خطأ محضا بأن يجد امرأة على فراشه فيظنها امرأته التي عهدها فيطؤها فيفضيها هذا إذا حصل الإفضاء بالوطء ولا فرق في الدية بينه وبين أن يحصل بأصبع أو خشبة أو شيء محدد وإذا أفضاها فصار بولها يسترسل ولا يستمسك لزمه مع الدية حكومة الشين وقيل‏:‏ لا حكومة وهو ضعيف وسواء في وجوب الدية بالإفضاء الحاصل بالوطء الزوج والواطىء بشبهة والزاني ويستقر المهر على الزوج بالوطء المتضمن للإفضاء ويجب به مهر المثل على الواطىء بشبهة وكذا على الزاني إن كانت مكرهة وعليه الحد‏.‏

أحدهما‏:‏ أن يزيلها من لا يستحق افتضاضها فإن أزالها بغير آلة الجماع كالأصبع والخشبة لزمه أرش البكارة والمراد الحكومة المأخوذة من تقدير الرق كما سيأتي في بيان الحكومة إن شاء الله تعالى وهل يكون جنس الواجب من الإبل أم من نقد البلد وجهان أصحهما‏:‏ الإبل على قاعدة الجناية على الأحرار ولو أزالت بكر بكارة أخرى اقتصت منها وإن أزالها بآلة الجماع فإن طاوعته المرأة فلا أرش كما لا مهر وإن كانت مكرهة أو كان هناك شبهة نكاح فاسد أو غيره فوجهان أصحهما وهو المنصوص‏:‏ أنه يجب مهر مثلها ثيباً وأرش البكارة والثاني‏:‏ يجب مهر مثلها بكراً فإن أفردنا الأرش عاد الوجهان في أن جنسه الإبل أم النقد‏.‏

الحال الثاني‏:‏ أن يزيلها مستحق الافتضاض وهو الزوج فإن أزالها بآلة الجماع فقد استوفى حقه وإن أزالها بغيره فوجهان أصحهما‏:‏ لا شيء عليه لأنه حقه وإن أخطأ في طريقه والثاني‏:‏ يلزمه الأرش ثم من افتض وألزمناه أرش البكارة فلو أفضاها مع الافتضاض ففي دخول أرش البكارة في دية الإفضاء وجهان أصحهما‏:‏ الدخول لأن الدية والأرش تجبان للإتلاف فدخل أقلهما في أكثرهما بخلاف المهر فإنه يجب للإستمتاع فلا يدخل في بدل الإتلاف كما لو تحامل على الموطوءة فكسر رجلها لا يدخل المهر في دية الرجل‏.‏

إذا كانت الزوجة لا تحتمل الوطء إلا بالإفضاء لم يجز للزوج وطؤها ولا يلزمها تمكينه ثم قال الغزالي‏:‏ إن كان سببه ضيق المنفذ بحيث يخالف العادة فللزوج خيار الفسخ كالرتق وإن كان سببه كبر آلته بحيث يخالف العادة فلها الخيار كما في الجب والذي قاله الأصحاب‏:‏ إنه لا فسخ بذلك مطلقاً بخلاف الجب والرتق فإنهما يمنعان الوطء مطلقا ويشبه أن يفصل فيقال‏:‏ إن كانت نحيفة لو وطئها الزوج لأفضاها لكن لو وطئها نحيف احتملته فلا فسخ وإن كان ضيق المنفذ بحيث يفضيها أي شخص وطئها فهذا كالرتق وينزل ما قاله الأصحاب على الأول وما قاله الغزالي على الثاني‏.‏

فرع إذا التأم الجرح بعد الإفضاء إذا التأم الجرح بعد الإفضاء سقطت الدية وعليه الحكومة إن بقي أثر كما لو عاد ضوء العين وفي وجه لا تسقط كما لو التحمت الجائفة‏.‏

فرع لو أفضى الخنثى المشكل لو أفضى الخنثى المشكل قال في البيان‏:‏ إن قلنا‏:‏ الإفضاء رفع الحاجز بين منفذ البول ومدخل الذكر لم تجب الدية وإن قلنا‏:‏ رفع الحاجز بين القبل والدبر فوجهان ولو أزيلت البكارة من فرج المشكل وجبت حكومة جراحة ولا تعتبر البكارة لأنا لا نتحقق كونه فرجاً‏.‏

ففي كل واحد منهما كمال الدية فإذا ضرب يديه فشلتا لزمه الدية ولو ضرب أصبعه فشلت لزمه دية أصبع ولو ضرب صلبه فبطل مشيه ورجله سليمة وجبت الدية ولا تؤخذ الدية حتى تندمل فإن انجبر وعاد مشيه كما كان فلا دية وتجب الحكومة إن بقي أثر وكذا إن نقص مشيه بأن احتاج إلى عصا أو صار يمشي محدودباً ولو كسر صلبه وشلت رجله قال المتولي‏:‏ يلزمه دية لفوات المشي وحكومة لكسر الظهر بخلاف ما إذا كانت الرجل سليمة لا يجب مع الدية حكومة لأن المشي منفعة في الرجل فإذا شلت الرجل ففوات المنفعة لشلل الرجل فأفرد كسر الصلب بحكومة أما إذا كانت سليمة ففوات المشي لخلل الصلب فلا يفرد بحكومة ويوافق هذا ما ذكره ابن الصباغ أنه لو كسر صلبه فشل ذكره تجب حكومة الكسر ودية الشلل الذكر وفي هذا تصريح بأن مجرد الكسر لا يوجب الدية وإنما تجب الدية إذا فات به المشي أو الماء أو الجماع كما سبق وإذا ادعى ذهاب المشي فكذبه الجاني امتحن بأن يقصد بالسيف في غفلته فإن تحرك ومشى علمنا كذبه وإلا فيحلف ويأخذ الدية ولو أذهب كسر الصلب مشيه ومنيه أو مشيه وجماعه وجبت ديتان على الأصح‏:‏ وقيل دية‏.‏

فصل قد ذكرنا الديات في الجروح والأعضاء والمنافع مفصلة فيجوز أن تجتمع في شخص ديات كثيرة الأذنان أو إبطال إحساسهما العينان أو البصر الأجفان المارن الشفتان اللسان أو النطق الأسنان اللحيان اليدان الرجلان الذكر الأنثيان أو الحلمتان والشفران الأليان العقل السمع الشم الصوت الذوق المضغ الإمناء أو الإحبال إبطال لذة الجماع إبطال لذة الطعام الإفضاء في المرأة البطش المشي وقد يضاف إليها المواضح وسائر الشجات والجوائف والحكومات فيجتمع شيء كثير لا ينحصر فإذا اندملت هذه الجراحات وجب جميع هذه الديات وإن سرت فمات منها وجب دية واحدة بلا خلاف ولو عاد الجاني فحز رقبة المجروح أو قده نصفين فإن كان ذلك بعد الاندمال وجبت دية الأطراف ودية النفس لاستقرار دية الأطراف بالاندمال وإن كان قبل الاندمال فوجهان الأصح المنصوص أنه لا يجب إلا دية النفس‏.‏

كالسراية والثاني خرجه ابن سريج وبه قال الإصطخري واختاره الإمام‏:‏ تجب ديات الأطراف مع دية النفس هذا إذا اتفقت الجناية على النفس والأطراف في العمد أو الخطإ فأما إذا كانت أحدهما عمداً والأخرى خطأ وقلنا بالتداخل عند الاتفاق فهنا وجهان أحدهما‏:‏ التداخل أيضاً وأصحهما‏:‏ لا لاختلافهما واختلاف من يجنيان عليه فلو قطع يده خطأ ثم حز رقبته قبل الاندمال عمداً فللولي قتله قصاصاً وليس له قطع يده فإن قتله قصاصاً فإن قلنا بالتداخل وجعلنا الحكم للنفس فلا شيء له من الدية وإن قلنا‏:‏ لا تداخل أخذ نصف الدية من العاقلة لليد وإن عفا عن القصاص فإن قلنا بالتداخل فوجهان أحدهما‏:‏ يجب دية نصفها مخففة على العاقلة ونصفها مغلظة على الجاني وينسب هذا إلى النص وأصحهما وبه قطع البغوي يجب دية مغلظة على الجاني لأن معنى التداخل إسقاط بدل الطرف والاقتصار على بدل النفس لمصير الجناية نفسا وإن قلنا‏:‏ لا تداخل وجب نصف دية مخففة على العاقلة ودية مغلظة عليه وإن قطع يده عمداً ثم حز رقبته خطأ قبل الاندمال فللولي قطع يده وإذا قطعها إن قلنا‏:‏ بالتداخل فله نصف الدية المخففة لأنه أخذ بالقطع نصف بدل النفس وإن قلنا لا تداخل فله كمال الدية المخففة وإن عفا عن القطع فإن قلنا بالتداخل فعلى الوجهين على النص يجب نصف دية مخففة ونصف مغلظة لليد وعلى الآخر دية مخففة للنفس قال الإمام‏:‏ ولو قطع يديه ورجليه أو أصبعه عمداً ثم حز رقبته قبل الاندمال خطأ أو بالعكس وقلنا‏:‏ تراعى صفة الجنايتين على القول بالتداخل تنصفت تخفيفاً وتغليظاً ولا نظر إلى أقدار أروش الأطراف لأن الحكم بالتداخل مبني على أن الحز بعد قطع الأطراف كسراية الأطراف فكان الحز مع الجراحات السابقة كجراحات مؤثرة في الزهوق انقسمت عمداً وخطأ وحينئذ تتنصف الدية تخفيفاً وتغليظاً ولا نظر إلى أقدار الأروش‏.‏

الباب الثالث في بيان الحكومات فيه طرفان‏:‏ الطرف الأول في الحكومة وهي جزء من الدية نسبته إليها نسبة ما تقتضيه الجناية من قيمة المجني عليه على تقدير تقويمه رقيقاً فيقوم المجني عليه بصفاته التي هو عليها لو كان عبداً وينظر كم نقصت الجناية من قيمته فإن قوم بعشرة دون الجناية وبتسعة بعد الجناية فالتفاوت العشر فيجب عشر دية النفس وقيل‏:‏ عشر دية العضو الذي جني عليه والصواب الأول وبه قطع الجمهور وتكون الحكومة من جنس الإبل ثم إن كانت الجناية على عضو له أرش مقدر نظر إن لم تبلغ الحكومة أرش ذلك العضو وجبت بكمالها وإن بلغته نقص الحاكم شيئاً منه بالاجتهاد قال الإمام‏:‏ ولا يكفي حط أقل ما يتمول فحكومة الأنملة العليا بجرحها أو قلع ظفرها ينقص عن أرش الأنملة والجناية على الأصبع إذا أتت على طولها لا تبلغ حكومتها أرش الأصبع وعلى الرأس لا تبلغ حكومتها أرش الموضحة وعلى البطن لا تبلغ أرش الجائفة وحكومة جرح الكف لا تبلغ دية الأصابع الخمس وكذا حكومة قطع الكف التي لا أصبع عليها وكذا حكم القدم وهل يجوز أن تبلغ حكومة الكف دية أصبع وجهان أصحهما‏:‏ نعم لأن منفعتها دفعا واحتواء تزيد على منفعة أصبع وكما أن دية اليد الشلاء لا تبلغ دية اليد ويجوز أن تبلغ دية أصبع وأن تزيد عليها أما إذا كانت الجراحة على عضو ليس له أرش مقدر كالظهر والكتف والفخذ فيجوز أن تبلغ حكومتها دية عضو مقدر كاليد والرجل وأن تزاد عليه وإنما تنقص عن دية النفس وعد المتولي والبغوي من هذا القبيل الساعد والعضد فيجوز أن تبلغ حكومة جرح أحدهما دية الأصابع الخمس وأن يزاد عليها وسوى الغزالي بينهما وبين الكف والأول أصح فإن الكف هي التي تتبع الأصابع دون الساعد والعضد‏.‏

 فصل إنما يقوم لمعرفة الحكومة بعد اندمال الجراحة

ونقصان القيمة حينئذ قد يكون لضعف ونقص في المنفعة وقد يكون لنقص الجمال باعوجاج أو أثر قبيح أو شين من سواد وغيره فلو اندملت الجراحة ولم يبق نقص في منفعة ولا في جمال ولم تنقص القيمة فوجهان أحدهما وينسب إلى ابن سريج‏:‏ لا شيء عليه سوى التعزير كما لو لطمه أو ضربه بمثقل فزال الألم ولم ينقص منفعة ولا جمال وأصحهما عند الأكثرين وبه قال أبو إسحاق وهو ظاهر النص‏:‏ أنه لا بد من وجوب شيء فعلى هذا وجهان أحدهما‏:‏ يقدر الحاكم شيئاً باجتهاده بأن ينظر إلى خفة الجناية وفحشها في المنظر سعة أو غوصاً وقدر الآلام المتولدة وأصحهما أنه ينظر إلى ما قبل الاندمال من الأحوال التي تؤثر في نقص القيمة ويعتبر أقربها إلى الاندمال فإن لم يظهر نقص إلا في حال سيلان الدم ترقبنا واعتبرنا القيمة والجراحة السائلة فإن فرضت الجراحة خفيفة لا تؤثر في تلك الحالة أيضاً ففي الوسيط أنا نلحقها باللطم والضرب للضرورة وفي التتمة أن الحاكم يوجب شيئاً بالاجتهاد ولو قطع أصبعاً أو سناً زائدة أو أتلف لحية امرأة وأفسد منبتها ولم تنقص القيمة بذلك وربما زادت‏.‏

لزوال الشين فهل يجب شيء فيه الوجهان في أصل المسألة فإن أوجبنا فهو الأصح فقيل يجتهد الحاكم فيه والأصح أنه يعتبر في قطع الأصبع الزائدة أقرب أحوال النقص من الاندمال كما سبق وفي السن يقوم وله سن زائدة نابتة فوق الأسنان ولا أصلية خلفها ثم يقوم مقلوع تلك الزائدة ويظهر التفاوت لأن الزائدة تسد الفرجة ويحصل بها نوع جمال وفي لحية المرأة تقدر كونها لحية عبد كبير يتزين باللحية ولو قطع أنملة لها شعبتان أصلية وزائدة قدر الحاكم للزائدة شيئاً بالاجتهاد ولو ضربه بسوط أو غيره أو لطمه ولم يظهر أثر لم يتعلق به ضمان فإن اسود أو اخضر وبقي الأثر بعد الاندمال وجبت الحكومة فإن زال الأثر بعد أخذ الحكومة وجب ردها وضبطت هذه الصور بأن قيل إذا بقي أثر الجناية من ضعف أو شين وجبت الحكومة وإن لم يبق أثر والجناية ضرب ونحوه فلا شيء وإن كانت جرحاً فوجهان‏.‏

كسر عظماً في غير الرأس والوجه وعاد بعد الكسر مستقيماً فإن بقي فيه ضعف وخلل وهو الغالب وجبت الحكومة وإلا فعلى الوجهين وإذا كان مع الضعف اعوجاج كانت الحكومة أكثر وليس للجاني كسره ثانياً ليجبر مستقيماً ولو فعل لم تسقط الحكومة الأولى وتجب للكسر الثاني حكومة أخرى لأنها جناية جديدة‏.‏

فرع إزالة الشعور من الرأس إزالة الشعور من الرأس وغيره بحلق أو غيره من غير إفساد المنبت لا يجب بها حكومة أصلاً بلا خلاف لأن الشعر يعود‏.‏

 فصل إذا كان للجراحة أرش مقدر كالموضحة

فالشين حواليها يتبعها ولا يفرد بحكومة هذا إذا كان الشين حتى انتهى إلى القفا فوجهان لتعديه محل الإيضاح وهل المتلاحمة كالموضحة في استتباع الشين إذا قدرنا أرشها بالنسبة إلى الموضحة وجهان أصحهما‏:‏ نعم وإن لم يكن للجراحة أرش مقدر فقد سبق أن ما دون الموضحة من جراحات الرأس إذا أمكن تقديرها موضحة على الرأس يجب فيها أكثر الأمرين من قسط أرش الموضحة والحكومة على قول الأكثرين والجراحات على البدن إن أمكن تقديرها بالجائفة بأن كان بقربها جائفة هل تقدر بها كالتقدير بالموضحة أم الواجب فيها الحكومة لا غير وجهان أرجحهما الأول وإذا عرف ذلك فإن قدرت الجراحة بالنسبة إلى جراحة مقدرة الأرش وأوجبنا ما يقتضيه التقسيط لكونه أكثر من الحكومة فالشين تابع له لا يفرد بحكومة كالموضحة وإن كانت الحكومة أكثر فأوجبناها فقد وفينا حق الشين‏.‏

فرع أوضح جبينه وأزال حاجبه فعليه الأكثر من أرش الموضحة وحكومة الشين وإزالة الحاجب قاله المتولي‏.‏

الطرف الثاني في الجناية على الرقيق قد سبق أن الواجب بقتل الرقيق قيمته بالغة ما بلغت يستوي فيه القن والمدبر والمكاتب وأم الولد وأما الجناية عليه فيما دون النفس فينظر إن كانت مما يوجب في الحر بدلاً مقدرا كالموضحة وقطع الأطراف فقولان أظهرهما‏:‏ أن الواجب فيها جزء من القيمة نسبته إلى القيمة كنسبة الواجب في الحر إلى الدية والثاني‏:‏ الواجب ما نقص من قيمته ومن الأصحاب من أنكر القول الثاني وقطع بالأول والجمهور على إثباتهما ثم منهم من يقول‏:‏ الأول منصوص والثاني خرجه ابن سريج من قوله لا تحمل العاقلة عبداً فإنه جعله كالبهيمة ومنهم من يقول‏:‏ هما منصوصان الأول جديد والثاني قديم وإن كانت الجناية لا توجب مقدرا في الحر فواجبها في العبد ما نقص من القيمة بلا خلاف‏.‏

إذا عرف هذا فعلى الأظهر في يد العبد نصف قيمته وفي يديه قيمته وفي أصبعه عشرها وفي أنملته ثلث عشرها وفي موضحته نصف عشرها وعلى هذا القياس‏.‏

ولو قطع ذكره وأنثييه فعليه قيمتان وعلى القول الآخر الواجب فيها كلها ما نقص فإن لم تنقص القيمة بقطع الذكر والأنثيين أو زادت فوجهان أصحهما‏:‏ لا يجب شيء والثاني‏:‏ تجب حكومة يقدرها الحاكم بالاجتهاد أو يعتبر بما قبل الاندمال كالوجهين فيما إذا اندملت الجراحة ولم يبق شين ولا أثر ومنهم من قطع بالوجه الأول ولو قطع يد عبد قيمته ألف فعادت إلى مائتين فعلى الأظهر يجب خمسمائة وعلى القديم ثمانمائة ولو عادت إلى ثمانمائة وجب على الأظهر خمسمائة وعلى القديم مائتان ولو جنى على العبد اثنان فقطع أحدهما يده والآخر يده الأخرى نظر إن وقعت الجنايتان معاً فعليهما قيمته وإن تعاقبتا وكانت القيمة عند قطع الثاني ناقصة بسبب القطع الأول فإن مات منهما ففي الواجب عليهما أوجه سبقت في كتاب الصيد والذبائح وإن وقف القطعان نظر إن كان قطع الثاني بعد اندمال الأول لزم كل واحد منهما نصف قيمته قبل جنايته فإن كانت قيمته ألفاً فصارت بالقطع الأول ثمانمائة وبالثاني ستمائة لزم الأول خمسمائة والثاني أربعمائة وإن قطع الثاني قبل الاندمال الأول لزم الثاني نصف ما على الأول وهو مائتان وخمسون لأن الجناية الأولى لم تستقر وقد أوجبنا نصف القيمة فكأنه انتقص نصف القيمة فلو قطع الواحد يدي العبد ولم يسر فالحكم كما لو قطعه اثنان هذا كله تفريع على الأظهر وعلى الثاني يلزم كل قاطع ما نقص بجنايته وإذا قطعت أطراف عبد ثم حز رقبته لزمه قيمة العبد ذاهب الأطراف وبالله التوفيق‏.‏